هل ابن رشد سيسامحهم؟
'اعجازاتنا العلمية' الوهمية وفقرنا العلمي المدقع...
اين هرطقات زغلول النجار وفتاوي قتل ميكي ماوس من تحذيرات محمد عبده وعقلانية ابن رشد وفكر ابن خلدون؟
ميدل ايست اونلاين
بقلم: ميرا جميل
ما أقرأه من طروحات الداعية الدكتور زغلول النجار، خاصة ما يدور على صفحات "عرب واتا" من حوار حول طروحاته "العلمية"، يبرز كم نحن في قاع الركب الانساني في التقدم العلمي والاجتماعي، وكم نحن في قمة المجتمعات البشرية في الثرثرة "العلمية " ومصادرها التي "نملكها".
ولكن يغيب السؤال المنطقي المفترض، كيف نضيف لثرثرتنا شيء من القطران بحيث نصبح أصحاب مجتمعات علمية ومؤسسات بحثية ومنتجي علوم وتكنولوجيات، ومجتمعات لا تعاني من الأمية المرتفعة، ومن البطالة والفقر والجوع لرغيف الخبز اذا كنا حقا نؤمن أن العلوم مصدرها قرآننا الكريم؟ لماذا يسبقنا الغرب الى "علومنا" ويصدرها لنا، ولا نملك حتى نشر ثرثرتنا حول "علومنا" الا بوسائل أنتجتها الحضارة الغربية؟
اذا كان مفهوم الشعوب العربية للتكنولوجيا والتقدم الحضاري هو ما يبشرنا بة الداعية الدكتور زغلول النجار. فالويل لنا من المستقبل، والويل لنا من ان نتحول الى مماسح للشعوب، حتى التي تبدو اليوم أشد تخلفا من شعوبنا. ان ما يطرحه زغلول النجار من فكر، لا يتعدى حديث الشارع البدائي وشبه الأمي، وربما من الصعب قبولك يا دكتور مؤذنا في جامع.. لا يكفي انه يحفظ، الببغاء أيضا تحفظ جملا وترددها. والأطفال يتعلمون الحديث ويستعملون الكلمات دون فهم أحيانا لمعانيها.
كان أحرى بزغلول ان يختار مهنة النجارة بدل الحديث عن معجزات علمية ونحن، الحمد لله.. أكثر مجتمعات العالم تخلفا علميا وتعليميا.
أعرف ان كلماتي قاسية. لأننا نحب مدح الذات والفخر الأجوف.
ماذا يختلف زغلول عن شيوخ فتاوي ارضاع الكبير وقتل ميكي ماوس والحجاب بعين واحدة؟
انا امرأة في العقد الثالث، ولي من الثقافة والمعرفة ما يجعلني قادرة على التفكير وعدم الانجرار وراء العواطف الخادعة. مشكلتنا اننا مجتمعات متخلفة تبحث عن مساحة ضمن المجتمعات المتقدمة والمنتجة للعلوم. وللأسف "علومنا" لا تتجاوز هرطقات زغلول النجار وأمثاله من "علماء الأمة".
لا تخلطوا بين الدين والايمان وقضايا العلوم والتطور... حتى الامام محمد عبده حذر في وقته من هذا الغباء المستشري اليوم وأوضح أن القرآن يشمل كل ما يخص امور الدين وليس أمور الدنيا، فهل ستكفرونه؟!
كما استفاد الأقدمون من انجازات أرسطو، وفلاسفة الاغريق وحكمائهم، ونقلوا عن الحضارات الهندية والبابلية والفرعونية ما يفيد مجتمعاتهم، واستفادوا من عصر التنوير الفكري، والثورة الصناعية والاكتشافات العلمية، وكما استفاد الغرب من الحضارة العربية ومن تنوير وعقلانية ابن رشد، ومن فكر ابن خلدون الاجتماعي والتاريخي ونظرته الثاقبة لدور الانتاج في الرقي الاجتماعي، سابقا عصره، وسابقا ماركس الى الكثير من النظريات الاجتماعية والاقتصادية، وكما انبهر العالم بمنجزات ابن سينا والفارابي وأبو العلاء المعري، فلماذا نرفض أن نستفيد اليوم في حالتنا الراهنة المزرية بما تنجزه العلوم في العالم الحضاري، بدون ادعاء فارغ اننا الأصل وانه موجود كله في كتبنا المقدسة. موجود؟ ليكن، ماذا يفيدنا وجوده اذا لم نعمل على تحويله الى رافعة علمية اجتماعية اقتصادية تنقل مجتمعاتنا من الأمية الى التعليم، من البطالة القاتلة لرأسمالنا الاجتماعي (الانسان) الى مجتمع نشيط اقتصاديا، تنخفض فيه البطالة الى معدلاتها الدولية؟ من التخلف الرهيب والعيش بالخرافات التي يروجها علماء بلا علوم، الى العلوم الانسانية التي تحيي الأرض والانسان؟ من الاستهلاك السلبي، الى الانتاج الحضاري والمنافسة والتطوير؟
لنتذكر ان الاسلام نفسه لم يكن متفقا على الاتجاهات، مثلا الأشعري والغزالي طرحا اتجاهين مختلفين ومتناقضين تماما، في الرؤية، لدرجة بدى وكانهما يتحدثان عن دينين مختلفين!
من المؤذي والمؤسف انه رغم عباقرتنا الذين يكتشفون "اعجازنا العلمي"، ما زال التخلف والجهل منجزاتنا الوطنية الوحيدة!
ما يثير الاعجاز اننا نتبادل النقاش بطريقة تذكرني بالنقاش السفسطائي في الفكر اليوناني القديم. حتى ذلك النقاش ساهم بتطوير العقل، "واعجازنا العلمي" ثرثرة على صفحات ما انتجته الحضارة الغربية.
أعزائي المتحاورين، هل تعون ما تقولون؟
ما علاقة العلوم والتكنولوجيا والابحاث والتجارب بالديانات كلها؟
ألم يثبت التاريخ ان للدين دوره وقيمته في الحياة البشرية وللعلم دوره ومجاله الآخر؟
لا تحملوا الكتب السماوية ما ليس لها.
تتحدثون عن الاعجاز العلمي بنفس العقلية الكنسية من القرون الوسطى... في النهاية سقط الفكر الكنسي، واعترف الفاتيكان قبل فترة قصيرة، حتى بصحة نظرية داروين عن أصل الانسان. هذا هو عالمنا الذي نعيش به، بلا رتوش تحافظ على مصالح طبقية وقبلية تخنق شعوبنا العربية وتمنع رقيها الحضاري في عالم لم يعد لنا فيه من المنجزات الا انتاج التخلف والفقر والأمية وادعاء مبكي مضحك عن "اعجاز علمي" اكتشفناه بعد أن استنفد خلاصة قيمته في الغرب.. وما زلنا عاجزين عن جعله الية لتطوير مجتمعاتنا.
تعالوا نفحص واقعنا.. اليس واقعنا حالة من الاعجاز الانساني في التخلف؟ كيف ونحن نتفاخر بأننا أصحاب أفضل اعجاز علمي؟
حتى حوارنا يا أحبائي نجريه على صفحات اعجاز علمي أنجزه الغرب (الانترنت).. ولا نستعمل في حياتنا أي انتاج علمي من اعجازنا العظيم الذي طرشنا العالم بالثرثرة حوله.
قبل الحديث تعالوا ننتج ونحقق ما يتلائم مع الاعجاز العلمي الذي نثرثر حوله.
تعالوا نثبت القول بالفعل.
تعالوا نحقق من خرافات زغلول النجار جزء من مليون...
نصوص لا تنقصنا.. ولكننا، وأقول هذا بأسف وألم... ندور في حلقة مفرغة من التأويلات ومحاولات اثبات ما نعجز عن انتاجه وما نقصر في تعليمه للأجيال الناشئة.
يتهمني بعض الزملاء أني غاضبة... أجل، ليس لأني غير مؤمنة.. بل لأن ايماني أعمق من الخرافات التي نحمي بها تخلفنا.
بدل الحديث عن الاعجاز تعالوا نحول هذا الحديث الى انتاج حضاري لشعوبنا ومجتمعاتنا. لو كرسنا في صناعتنا الوطنية في العالم العربي جزء من الجهد الذي نبذله في اكتشاف الاعجاز العلمي للقرآن.. لأصبحنا دولا منتجة لا يستغني العالم عن منتوجاتها، ولأصبحت الشعوب العربية ودولها من أكثر المراكز العلمية تقدما وانتاجا وطلبا متزايدا على منتوجاتها وليس على نفطها فقط الذي جاء بدون أي اعجاز علمي!
ما زلنا نستعمل انتاج الغرب الحضاري في كل ما يخصنا ويلزمنا في حياتنا، من وسائل مواصلات، ونشر وطباعة واتصالات وأجهزة وتجهيزات صناعية (حتى لاستخراج نفطنا) حتى ملابسنا الاسلامية والشرعية تنتج في "الغرب الكافر"..
حتى مسابحنا صنعت في تايوان والصين.. وأحذيتنا انتجت في الصين وسياراتنا من اليابان واوروبا وأميركا.. واذا مرض رئيس عربي لا يتعالج في وطنه بسبب التخلف العلمي في الطب... يذهب الى ألمانيا أو أميركا أو اوروبا، أو اسرائيل (كما يفعل شيوخ وامراء الخليج العربي، حيث يصلون مستشفى ايلات، ام الرشراش العربية التي ضاعت مع سائر فلسطين..) واذا مرض المواطن كيف ينفعه اعجاز دينه العلمي؟ لا يجد الا القبر علاجا لأمراضه!
زميل أديب وصديق لعائلتي، كان سابقا مديرا للانتاج في مصانع الحدادة الكبيرة في اسرائيل، حدثني ان مصنعه أنتج تجهيزات لتحلية مياه البحر لمصر والكويت والسعودية ودول الخليج، وأوضح لي ان الطريقة الاسرائيلية تعتبر الأنجح والأفضل والأرخص تكلفة في تحلية مياه البحر، وان الارساليات كانت تصل لتلك الدول اما مباشرة من اسرائيل، أو تحت أسم شركة فرنسية وهمية... والسؤال هل يجد لنا زغلول النجاز طريقة علمية لانتاج تجهيزات تحلية المياه (تسمى في اسرائيل طريقة زارحين) وان يعد لنا من الاعجاز العلمي الذي يثرثر حوله، خرائط تفصيلية لبناء صناعة عربية نحن بأمس الحاجة اليها اليوم؟
لا أقول هذا بسخرية، بل بألم.. لدينا "اعجاز علمي"؟! ما قيمته اذا كنا لا نعرف استعماله وتوظيفه في بناء حضارتنا الحديثة؟!.. لدينا حضارة ونحن بحضيض الحضارات المعاصرة. لدينا جامعات وجامعاتنا من أدنى الجامعات حسب المقاييس العلمية الدولية، لا نجد أي جامعة عربية في الـ 100 جامعة الأولى، بينما نجد جامعات ومعاهد اسرائيل في أول افضل 50 جامعة من جامعات العالم. لدينا مليارات الدولارات (بل ترليونات) موظفة في بنوك الغرب، تدعم اقتصاد الغرب، وتبقي اقتصاد العرب بالحضيض وأدنى مستويات التخلف العلمي والتكنولوجي، وأدنى مستويات الفقر والتخلف التعليمي. حين يوظف معهد اسرائيلي واحد، معهد وايزمان مثلا 2 مليار دولار للأبحاث العلمية كل سنة، نجد ان كل جامعاتنا العربية لا توظف أكثر من 800 مليون دولار. وحسب احصائيات عالمية، اسرائيل توظف 15 مرة أكثر من كل العالم العربي في الابحاث العلمية، هل هذا بسبب الاعجاز العلمي في القرآن، الذي يجعلنا بغير حاجة لأبحاث علمية في جامعاتنا، لأننا نملك العلوم كلها في القرآن، ونظن اننا السباقون والمتفوقون؟ هل هكذا يقاس التقدم العلمي والحضاري، أم بالعمل الملموس، وانعكاسه على الواقع العربي في العلوم والتعليم والرقي الاجتماعي والاقتصادي والتكنولوجي ومستوى الخدمات الطبية والاجتماعية والتأمينات التي تقدمها الدولة لمواطنيها؟
حتى اليوم طرشتونا بالاعجازات العلمية التي لا نراها في الواقع العربي.. تعالوا لمرة واحدة نستبدل الثرثرة بالفعل.
موقفي ليس انكارا للإعجاز القرآني، ولكنه انكار لعقولنا التي تكتفي بالقول والثرثرة وتستبعد الفعل التطبيقي والعملي الملموس. لو كرسنا ميزانيات وجهود مساوية لثرثرتنا وما نصرفه عل نشرها وترويجها، للبحث العلمي والإنتاجي، لتغير حالنا من مجتمع يبحث عن الطعام في القمامة، ويعاني من التخلف التعليمي والعلمي الى مجتمع متنور، ضامن للخدمات الأساسية لمواطنيه، ومنافس اقتصاديا للدول المتطورة.. ويجد مكانا للعقول العربية في مؤسساته العلمية والبحثية، بدل تهجيرها وخسارتها.
أعرف مواقف زغلول النجار من قضايا عديدة ولم أجد في مواقفه الا ما يجزء الأمة ويضاعف التحريض والحقد الطائفي. خاصة تشويهة للانجيل المسيحي في حديث تلفزيوني. ماذا يفيدنا كمسلمين هذا التخريف الزغلولي؟ هل من مصلحتنا مضاعفة العداء في مجتمعاتنا بين الأديان والعقائد السماوية؟ شخص هذه مواقفه لا يستحق ان يعطى منبرا.. وقد أثبت في جميع منابره انه ليس أهلا للرأي، وليس أهلا للعلم!
الحذار الحذار من هذه العقليات على مستقبلنا وعلى ديننا!
ميرا جميل – صحفية – حيفا
gmeara@walla.com
'اعجازاتنا العلمية' الوهمية وفقرنا العلمي المدقع...
اين هرطقات زغلول النجار وفتاوي قتل ميكي ماوس من تحذيرات محمد عبده وعقلانية ابن رشد وفكر ابن خلدون؟
ميدل ايست اونلاين
بقلم: ميرا جميل
ما أقرأه من طروحات الداعية الدكتور زغلول النجار، خاصة ما يدور على صفحات "عرب واتا" من حوار حول طروحاته "العلمية"، يبرز كم نحن في قاع الركب الانساني في التقدم العلمي والاجتماعي، وكم نحن في قمة المجتمعات البشرية في الثرثرة "العلمية " ومصادرها التي "نملكها".
ولكن يغيب السؤال المنطقي المفترض، كيف نضيف لثرثرتنا شيء من القطران بحيث نصبح أصحاب مجتمعات علمية ومؤسسات بحثية ومنتجي علوم وتكنولوجيات، ومجتمعات لا تعاني من الأمية المرتفعة، ومن البطالة والفقر والجوع لرغيف الخبز اذا كنا حقا نؤمن أن العلوم مصدرها قرآننا الكريم؟ لماذا يسبقنا الغرب الى "علومنا" ويصدرها لنا، ولا نملك حتى نشر ثرثرتنا حول "علومنا" الا بوسائل أنتجتها الحضارة الغربية؟
اذا كان مفهوم الشعوب العربية للتكنولوجيا والتقدم الحضاري هو ما يبشرنا بة الداعية الدكتور زغلول النجار. فالويل لنا من المستقبل، والويل لنا من ان نتحول الى مماسح للشعوب، حتى التي تبدو اليوم أشد تخلفا من شعوبنا. ان ما يطرحه زغلول النجار من فكر، لا يتعدى حديث الشارع البدائي وشبه الأمي، وربما من الصعب قبولك يا دكتور مؤذنا في جامع.. لا يكفي انه يحفظ، الببغاء أيضا تحفظ جملا وترددها. والأطفال يتعلمون الحديث ويستعملون الكلمات دون فهم أحيانا لمعانيها.
كان أحرى بزغلول ان يختار مهنة النجارة بدل الحديث عن معجزات علمية ونحن، الحمد لله.. أكثر مجتمعات العالم تخلفا علميا وتعليميا.
أعرف ان كلماتي قاسية. لأننا نحب مدح الذات والفخر الأجوف.
ماذا يختلف زغلول عن شيوخ فتاوي ارضاع الكبير وقتل ميكي ماوس والحجاب بعين واحدة؟
انا امرأة في العقد الثالث، ولي من الثقافة والمعرفة ما يجعلني قادرة على التفكير وعدم الانجرار وراء العواطف الخادعة. مشكلتنا اننا مجتمعات متخلفة تبحث عن مساحة ضمن المجتمعات المتقدمة والمنتجة للعلوم. وللأسف "علومنا" لا تتجاوز هرطقات زغلول النجار وأمثاله من "علماء الأمة".
لا تخلطوا بين الدين والايمان وقضايا العلوم والتطور... حتى الامام محمد عبده حذر في وقته من هذا الغباء المستشري اليوم وأوضح أن القرآن يشمل كل ما يخص امور الدين وليس أمور الدنيا، فهل ستكفرونه؟!
كما استفاد الأقدمون من انجازات أرسطو، وفلاسفة الاغريق وحكمائهم، ونقلوا عن الحضارات الهندية والبابلية والفرعونية ما يفيد مجتمعاتهم، واستفادوا من عصر التنوير الفكري، والثورة الصناعية والاكتشافات العلمية، وكما استفاد الغرب من الحضارة العربية ومن تنوير وعقلانية ابن رشد، ومن فكر ابن خلدون الاجتماعي والتاريخي ونظرته الثاقبة لدور الانتاج في الرقي الاجتماعي، سابقا عصره، وسابقا ماركس الى الكثير من النظريات الاجتماعية والاقتصادية، وكما انبهر العالم بمنجزات ابن سينا والفارابي وأبو العلاء المعري، فلماذا نرفض أن نستفيد اليوم في حالتنا الراهنة المزرية بما تنجزه العلوم في العالم الحضاري، بدون ادعاء فارغ اننا الأصل وانه موجود كله في كتبنا المقدسة. موجود؟ ليكن، ماذا يفيدنا وجوده اذا لم نعمل على تحويله الى رافعة علمية اجتماعية اقتصادية تنقل مجتمعاتنا من الأمية الى التعليم، من البطالة القاتلة لرأسمالنا الاجتماعي (الانسان) الى مجتمع نشيط اقتصاديا، تنخفض فيه البطالة الى معدلاتها الدولية؟ من التخلف الرهيب والعيش بالخرافات التي يروجها علماء بلا علوم، الى العلوم الانسانية التي تحيي الأرض والانسان؟ من الاستهلاك السلبي، الى الانتاج الحضاري والمنافسة والتطوير؟
لنتذكر ان الاسلام نفسه لم يكن متفقا على الاتجاهات، مثلا الأشعري والغزالي طرحا اتجاهين مختلفين ومتناقضين تماما، في الرؤية، لدرجة بدى وكانهما يتحدثان عن دينين مختلفين!
من المؤذي والمؤسف انه رغم عباقرتنا الذين يكتشفون "اعجازنا العلمي"، ما زال التخلف والجهل منجزاتنا الوطنية الوحيدة!
ما يثير الاعجاز اننا نتبادل النقاش بطريقة تذكرني بالنقاش السفسطائي في الفكر اليوناني القديم. حتى ذلك النقاش ساهم بتطوير العقل، "واعجازنا العلمي" ثرثرة على صفحات ما انتجته الحضارة الغربية.
أعزائي المتحاورين، هل تعون ما تقولون؟
ما علاقة العلوم والتكنولوجيا والابحاث والتجارب بالديانات كلها؟
ألم يثبت التاريخ ان للدين دوره وقيمته في الحياة البشرية وللعلم دوره ومجاله الآخر؟
لا تحملوا الكتب السماوية ما ليس لها.
تتحدثون عن الاعجاز العلمي بنفس العقلية الكنسية من القرون الوسطى... في النهاية سقط الفكر الكنسي، واعترف الفاتيكان قبل فترة قصيرة، حتى بصحة نظرية داروين عن أصل الانسان. هذا هو عالمنا الذي نعيش به، بلا رتوش تحافظ على مصالح طبقية وقبلية تخنق شعوبنا العربية وتمنع رقيها الحضاري في عالم لم يعد لنا فيه من المنجزات الا انتاج التخلف والفقر والأمية وادعاء مبكي مضحك عن "اعجاز علمي" اكتشفناه بعد أن استنفد خلاصة قيمته في الغرب.. وما زلنا عاجزين عن جعله الية لتطوير مجتمعاتنا.
تعالوا نفحص واقعنا.. اليس واقعنا حالة من الاعجاز الانساني في التخلف؟ كيف ونحن نتفاخر بأننا أصحاب أفضل اعجاز علمي؟
حتى حوارنا يا أحبائي نجريه على صفحات اعجاز علمي أنجزه الغرب (الانترنت).. ولا نستعمل في حياتنا أي انتاج علمي من اعجازنا العظيم الذي طرشنا العالم بالثرثرة حوله.
قبل الحديث تعالوا ننتج ونحقق ما يتلائم مع الاعجاز العلمي الذي نثرثر حوله.
تعالوا نثبت القول بالفعل.
تعالوا نحقق من خرافات زغلول النجار جزء من مليون...
نصوص لا تنقصنا.. ولكننا، وأقول هذا بأسف وألم... ندور في حلقة مفرغة من التأويلات ومحاولات اثبات ما نعجز عن انتاجه وما نقصر في تعليمه للأجيال الناشئة.
يتهمني بعض الزملاء أني غاضبة... أجل، ليس لأني غير مؤمنة.. بل لأن ايماني أعمق من الخرافات التي نحمي بها تخلفنا.
بدل الحديث عن الاعجاز تعالوا نحول هذا الحديث الى انتاج حضاري لشعوبنا ومجتمعاتنا. لو كرسنا في صناعتنا الوطنية في العالم العربي جزء من الجهد الذي نبذله في اكتشاف الاعجاز العلمي للقرآن.. لأصبحنا دولا منتجة لا يستغني العالم عن منتوجاتها، ولأصبحت الشعوب العربية ودولها من أكثر المراكز العلمية تقدما وانتاجا وطلبا متزايدا على منتوجاتها وليس على نفطها فقط الذي جاء بدون أي اعجاز علمي!
ما زلنا نستعمل انتاج الغرب الحضاري في كل ما يخصنا ويلزمنا في حياتنا، من وسائل مواصلات، ونشر وطباعة واتصالات وأجهزة وتجهيزات صناعية (حتى لاستخراج نفطنا) حتى ملابسنا الاسلامية والشرعية تنتج في "الغرب الكافر"..
حتى مسابحنا صنعت في تايوان والصين.. وأحذيتنا انتجت في الصين وسياراتنا من اليابان واوروبا وأميركا.. واذا مرض رئيس عربي لا يتعالج في وطنه بسبب التخلف العلمي في الطب... يذهب الى ألمانيا أو أميركا أو اوروبا، أو اسرائيل (كما يفعل شيوخ وامراء الخليج العربي، حيث يصلون مستشفى ايلات، ام الرشراش العربية التي ضاعت مع سائر فلسطين..) واذا مرض المواطن كيف ينفعه اعجاز دينه العلمي؟ لا يجد الا القبر علاجا لأمراضه!
زميل أديب وصديق لعائلتي، كان سابقا مديرا للانتاج في مصانع الحدادة الكبيرة في اسرائيل، حدثني ان مصنعه أنتج تجهيزات لتحلية مياه البحر لمصر والكويت والسعودية ودول الخليج، وأوضح لي ان الطريقة الاسرائيلية تعتبر الأنجح والأفضل والأرخص تكلفة في تحلية مياه البحر، وان الارساليات كانت تصل لتلك الدول اما مباشرة من اسرائيل، أو تحت أسم شركة فرنسية وهمية... والسؤال هل يجد لنا زغلول النجاز طريقة علمية لانتاج تجهيزات تحلية المياه (تسمى في اسرائيل طريقة زارحين) وان يعد لنا من الاعجاز العلمي الذي يثرثر حوله، خرائط تفصيلية لبناء صناعة عربية نحن بأمس الحاجة اليها اليوم؟
لا أقول هذا بسخرية، بل بألم.. لدينا "اعجاز علمي"؟! ما قيمته اذا كنا لا نعرف استعماله وتوظيفه في بناء حضارتنا الحديثة؟!.. لدينا حضارة ونحن بحضيض الحضارات المعاصرة. لدينا جامعات وجامعاتنا من أدنى الجامعات حسب المقاييس العلمية الدولية، لا نجد أي جامعة عربية في الـ 100 جامعة الأولى، بينما نجد جامعات ومعاهد اسرائيل في أول افضل 50 جامعة من جامعات العالم. لدينا مليارات الدولارات (بل ترليونات) موظفة في بنوك الغرب، تدعم اقتصاد الغرب، وتبقي اقتصاد العرب بالحضيض وأدنى مستويات التخلف العلمي والتكنولوجي، وأدنى مستويات الفقر والتخلف التعليمي. حين يوظف معهد اسرائيلي واحد، معهد وايزمان مثلا 2 مليار دولار للأبحاث العلمية كل سنة، نجد ان كل جامعاتنا العربية لا توظف أكثر من 800 مليون دولار. وحسب احصائيات عالمية، اسرائيل توظف 15 مرة أكثر من كل العالم العربي في الابحاث العلمية، هل هذا بسبب الاعجاز العلمي في القرآن، الذي يجعلنا بغير حاجة لأبحاث علمية في جامعاتنا، لأننا نملك العلوم كلها في القرآن، ونظن اننا السباقون والمتفوقون؟ هل هكذا يقاس التقدم العلمي والحضاري، أم بالعمل الملموس، وانعكاسه على الواقع العربي في العلوم والتعليم والرقي الاجتماعي والاقتصادي والتكنولوجي ومستوى الخدمات الطبية والاجتماعية والتأمينات التي تقدمها الدولة لمواطنيها؟
حتى اليوم طرشتونا بالاعجازات العلمية التي لا نراها في الواقع العربي.. تعالوا لمرة واحدة نستبدل الثرثرة بالفعل.
موقفي ليس انكارا للإعجاز القرآني، ولكنه انكار لعقولنا التي تكتفي بالقول والثرثرة وتستبعد الفعل التطبيقي والعملي الملموس. لو كرسنا ميزانيات وجهود مساوية لثرثرتنا وما نصرفه عل نشرها وترويجها، للبحث العلمي والإنتاجي، لتغير حالنا من مجتمع يبحث عن الطعام في القمامة، ويعاني من التخلف التعليمي والعلمي الى مجتمع متنور، ضامن للخدمات الأساسية لمواطنيه، ومنافس اقتصاديا للدول المتطورة.. ويجد مكانا للعقول العربية في مؤسساته العلمية والبحثية، بدل تهجيرها وخسارتها.
أعرف مواقف زغلول النجار من قضايا عديدة ولم أجد في مواقفه الا ما يجزء الأمة ويضاعف التحريض والحقد الطائفي. خاصة تشويهة للانجيل المسيحي في حديث تلفزيوني. ماذا يفيدنا كمسلمين هذا التخريف الزغلولي؟ هل من مصلحتنا مضاعفة العداء في مجتمعاتنا بين الأديان والعقائد السماوية؟ شخص هذه مواقفه لا يستحق ان يعطى منبرا.. وقد أثبت في جميع منابره انه ليس أهلا للرأي، وليس أهلا للعلم!
الحذار الحذار من هذه العقليات على مستقبلنا وعلى ديننا!
ميرا جميل – صحفية – حيفا
gmeara@walla.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق