الخميس، 10 ديسمبر 2015

المياه والحروب والمستقبل المجهول

بقلم: سانديب واسليكار
ترجمة: عبدالرحمن أبوطالب
في ديسمبر 2009، التقيت وليد المعلم وزير الخارجية السوري، في مكتبه في دمشق، جنبا إلى جنب مع سياسي بريطاني بارز. حيث أطلعنا على رؤيته لعملية السلام مع إسرائيل على مراحل. كان لديه شرطين أساسيين.
الشرط الأول، ضمان تأمين الوصول إلى مياه طبريا. والشرط الثاني، وجوب أن تتعهد تركيا بعملية السلام. وقال إن الحكومة في دمشق يمكنها فقط أن تثق في دولة واحدة كضامن لمصالحها. هذه الدوله كانت تركيا تحت قيادة أردوغان.
اقترحت مجموعة الاستبصار الاستراتيجي (SFG) في تقريرها الذي صدر في فبراير 2011 حول "السلام الأزرق" عدة حلول لاستخدام المياه كأداة للسلام والازدهار في الشرق الأوسط. أحد هذه الحلول تم موائمته وفقا للإطار الذي طرحه المعلم. ولكن الحرب الأهلية اجتاحت سوريا بعد شهر من صدور هذا التقرير.
كان السبب الرئيسي وراء هذه الحرب هو تآكل العقد الاجتماعي بين الدولة ومواطنيها. غير أن أحد العوامل الرئيسية التي ساهمت في ذلك كان الجفاف وفشل مساعي التعاون الإقليمي في مجال المياه، وهو ما أجبر الكثير من المزارعين، نتيجة للفقر، إلى الهجرة إلى المدن وتحميلها فوق طاقتها. وتحول أكثر الحلفاء الموثوقين لدى سوريا [تركيا] إلى أكثر أعدائها قساوة. وهاهي الحرب الإقليمية التي تلت ذلك تهدد الآن بأن تتحول إلى مواجهة عالمية.
لقد أدرك القادة في بعض المناطق الأخرى من العالم أهمية العلاقة الغير معلنة بين المياه والسلام والأمن. حيث تحسنت العلاقات بين الهند وبنغلاديش بشكل كبير عندما تم وضع مسودة معاهدة لإدارة نهر تيستا في اتفاق كبير ضمن التفاهمات الأمنية.
استطاعت مجموعة الاستبصار الاستراتيجي في عام 2013 أن تجمع قادة الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة في الهند وبنغلاديش لإعداد الإطار الذي من شأنه أن يؤدي إلى توقيع معاهدة نهر تيستا واستحداث آلية معينة لتجنب الصراع على المياه للألف سنة المقبلة. وفي يوغوسلافيا السابقة، وبعد توقيع اتفاق دايتون للسلام في منتصف التسعينات من القرن الماضي، دخلت الدول المولودة حديثا مباشرة في اتفاق ينص على الإدارة المشتركة والتعاونية لنهر السافا. وقد ساهم ذلك في تحقيق السلام والتعاون في منطقة البلقان التي شهدت الموت والعنف حتى ذلك الحين.
بدأت المعادلة الدقيقة بين المياه والحرب والسلام في الظهور في أجزاء مختلفة من العالم دون أن يلاحظها الرأي العام العالمي، وقد اتخذت مجموعة الاستبصار الاستراتيجي خطوتين في هذا الصدد. أولا، قامت المجموعة بتطوير تعاون مائي مشترك لعدد 219 حوض نهري مشترك في 148 دولة. وقد أثبت ذلك أن أي بلدان يشتركان في تعاون نشط في مجال المياه لن يذهبا إلى الحرب لأي سبب آخر.
ثانيا، تعاونت المجموعة مع الحكومة السويسرية في سبيل إنشاء لجنة عالمية رفيعة المستوى تعنى بمجال المياه والسلام بحلول نوفمبر عام 2016. تظم هذه اللجنة حكومات 15 دولة من جميع القارات، ويترأسها دانيلو تورك، الرئيس السابق لسلوفينيا. الأمير الحسن بن طلال من الأردن هو أيظا أحد أعضاء اللجنة.
سترد اللجنة على الطعون التي تقدم بها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لدراسة الروابط بين المياه والسلام والأمن. كما ستقترح اللجنة هيكلية عالمية لاستخدام المياه كأداة للسلام من خلال الحوافز المالية والعمل على إنشاء آليات دبلوماسية-مائية والتشجيع على تشكيل هيئات مشتركة لإدارة المياه في جميع الأحواض وتعزيز أفضل الممارسات، والأهم من ذلك إشراك كبار القادة السياسيين في المحادثات حول المياه. ستعقد اللجنة العديد من المشاورات في أنحاء مختلفة من العالم وتقدم تقريرها إلى منظمة الأمم المتحدة بحلول ديسمبر كانون الاول عام 2017.
وفي حال نجحت اللجنة في إعداد هيكلية عملية، فسوف يكون لذلك تأثير على حياة 2.3 مليار شخص يعيشون في أحواض الأنهار المشتركة في العالم النامي علاوة على اقتصاد سنوي مشترك يبلغ 10 تريليون دولار. ومع مرور السنين، ونتيجة لانتشار الإدارة التعاونية للمياه، فإن نسبة الانتاج الرأسمالي الإضافي ستنخفض وسينخفض الإنفاق العسكري أيضا. وهذا سيخلق أرباح سنوية تقدر بـ 200 مليار نتيجة السلام. أما إذا فشلت اللجنة في اقتراح هيكلية عالمية مقنعة، فسوف تحل الفوضى.
يبلغ معدل استنزاف الموارد المائية في الوقت الحالي أكثر من 320 مليار متر مكعب في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط. وهذا يعادل اختفاء عشرة أنهار بحجم نهر الفرات من على وجه الأرض كل عام. إذا استمر هذا الاستنزاف، سيكون هناك انخفاض حاد في إنتاج الأغذية وزيادة الطلب الجديد لحوالي 200-300 مليون طن من الحبوب الغذائية في السوق العالمي، وهذا بدوره سيؤدي لارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى مستويات غير مسبوقة. وستتوالى أعمال الشغب بسبب الغذاء، ليس فقط في نيبال ونيجيريا، ولكن أيضا في بيرو وباراغواي. لن ينجو أي بلد في العالم من كارثة ارتفاع أسعار المواد الغذائية، والهجرة القسر
ية، والإرهاب، والحكم الاستبدادي، وربما حرب عالمية تبدأ في عام 2039.
لقد حذر ديدييه بيركهالتر، وزير الخارجية السويسري، بمناسبة إنطلاق أعمال اللجنة قائلا "الماء لا يقتصر فقط على التنمية. بل يرتبط أيضا بالأمن". وهذا ما أدركته سوريا في ديسمبر عام 2009، لكن الفشل في اتخاذ إجراءات عاجلة حينها دفع الشرق الأوسط برمته إلى الهاوية. لقد حان الوقت لكي يستيقظ العالم قبل أن تتكرر قصة سوريا في كل منطقة.

* الدكتور سانديب واسليكار، رئيس مجموعة الاستبصار الاستراتيجي وهي مؤسسة بحثية دولية تعمل مع 50 دولة في أربع قارات.


الاثنين، 16 نوفمبر 2015

إنطلاق إعمال المنتدى الاقليمي الثامن لحماية الطبيعة في عمان



عمر الحياني – عمان
                                  
بدأت في العاصمة الاردنية عمان فعاليات أعمال المنتدى الاقليمي الثامن لحماية الطبيعة بمشاركة خبراء في مجال البيئة وممثلين عن المنظمات الاقليمية والجهات المعنية بالبيئة وعدد من صناع القرار والناشطين في مجال البيئة  .


وتحدث  وزير البيئة الدكتور طاهر الشخشير أن الاستهلاك غير المتوازن لموارد الطبيعة والافراط في اطلاق المخلفات والملوثات مع غياب السياسات والخطط القادرة على تحقيق التوازن بين الانتاج والاستهلاك, تعتبر من أهم التحديات البيئية التي تواجه المنطقة.
المنتدى الاقليمي الثامن لحماية الطبيعة في عمان

جاء ذلك خلال افتتاحه الشخشير مندوبا عن رئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور فعاليات الملتقى الاقليمي الثامن لحماية الطبيعة بحضور سمو الاميرة بسمة بنت علي ومدير عام الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة انجر اندرسن والمدير الاقليمي للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة - مكتب غرب اسيا فادي الشريدة.

 من جهة اخرى قال مدير عام الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة إنجر أندرسن في حفل افتتاح المؤتمر  عن الضغوط التي تواجهها البيئة على المستوى الاقليمي والدولي بسبب التغيرات المناخية والتي تؤثر على اهداف التنمية المستدامة ، ان الاتحاد مكان للعلم والمعرفة البيئية واننا ملزمون بنشر تلك العلوم والمعارف للجميع  وان الاتحاد يسعى إلى صنع التغيير وخلق عالم من المعرفة البيئية .

وشددت على ضرورة ايقاف التدهور الكبير في  الطبيعة  خلال العشرين العام القادمة  وإعادة الامور الى طبيعتها من خلال تحقيق الاهداف المشتركة وبما يحقق تشاركية المجتمع العالمي في تحقيق الاهداف البيئية  .
من جهة اخرى اشارات  الى دور الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة بالعمل مع كافة الاعضاء من المنظمات البيئية والجهات المختلفة بالعمل التشاركي لحماية البيئة والموارد الطبيعية وتحفيز الاعضاء وصولاً للتنمية المستدامة.
وبينت اندرسن أن اقليم غرب اسيا يحظى بتنوع حيوي وبيولوجي فريد من خلال مجموعة من البيئات والانواع وأنهم من الضرورة العمل على حمايتها والحفاظ عليها وهو ما يصب في مصلحة الاسنان ويعمل تحقيق التنمية المستدامة .
من جانبه استعرض المدير الاقليمي لمكتب غرب اسيا في الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة فادي الشريدة دور الاتحاد في حماية الطبيعة وتنوعها .

ودعا الى ضمان استخدام الموارد الطبيعية بإنصاف ومراعاة احتياجات النظم البيئية في دول المنطقة ضمن محاور الطبيعة وصونها والحوكمة  الفعالة المنصفة وتعميم حلول لتحديات المناخ والغذاء والتنمية في المنطقة والعالم .

واوضح أن المنتدى سيوفر معلومات متكاملة حول استراتيجية عمل مكتب غرب آسيا الاقليمي واللجان الوطنية واللجان الاستشارية الإقليمية والانتخابات والتحضير للمؤتمر العالمي لحماية الطبيعة الذي يعقد العام القادم في مدينة هاواي الامريكية .
واضاف ان الاجتماع سيستعرض الاستراتيجية العالمية للاتحاد والخطط التنفيذية في الاقليم للأعوام القادمة وبما يساعد على مشاركة فعالة من دول غرب اسيا والمنطقة العربية .

وبين الشريدة أن الاجتماع سيناقش قضايا التغيرات المناخية وآثارها على التنوع البيولوجي والنظم الإيكولوجية على المستويين العالمي والإقليمي, بهدف الوصول الى افضل الطرق والمقترحات المبتكرة لمواجهة التغيرات المناخية والحد من آثارها والتكيف معها.

رئيس اللجنة الوطنية الأردنية  في الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة محمد زعرور اوضح  " أن هذا الملتقى ينظم انطلاقاً من إدراك الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة وأعضائه في منطقة غرب آسيا أنَّ معالجة التحديات التي تواجه الطبيعة لا تتم بمعزل عن فهم واضح للعوامل البشرية المساهِمة في هذه التحديات كالتغير المناخي والجفاف والتصحر وشُح الأمطارإلا بمشاركة مختصين من حقول متعددة .

واعتبر أن هذا المنتدى يكتسب أهميةً كبرى حيث يجمع نُخبةً من الخبراء ذوي الاختصاصات المختلفة وممثلي المؤسسات المعنية في دول الإقليم ليناقشوا حلولاً مبتكرة وسيلتُها الطبيعة وتعامُل الإنسان معها وغايتُها الطبيعة وانتفاعُ الإنسان بها.

وافتتح على هامش اعمال المنتدى معرض لشركاء الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة لعرض مشروعات حماية الطبيعة والبيئة وقصص نجاح دمج المجتمعات بالطبيعة وبعض منتجات طبيعية من جمعيات بيئية اردنية وجمعية الحياة البرية في فلسطين ودول غرب اسيا .

ويبحث المنتدى والذي ينظمه الإتحاد الدولي لحماية الطبيعة – مكتب غرب آسيا على مدى ثلاثة أيام تطوير الإجراءات اللازمة لتحقيق الالتزامات العالمية في مجال الحفاظ على التنوع الحيوي، فضلاً عن استعراض رؤية الاتحاد للسنوات المقبلة في دول اقليم غرب آسيا.

كما يناقش المنتدى والذي يعقد تحت عنوان (بدائل بيئية مبتكرة لبيئة افضل) سبل تعزيز حماية الطبيعة وجعلها اولوية في الاجندات والسياسات الوطنية والاقليمية والدولية ووضع الاستراتيجية الاقليمية .

ويسعى المنتدى الى توفير منبر للحكومات والمنظمات غير الحكومية والشركاء والقطاع الخاص للتواصل وتعزيز المعرفة المتبادلة في قضايا حفظ التنوع البيولوجي والقضايا البيئية الاخرى.


الأحد، 8 نوفمبر 2015

المنتدى الإقليمي الثامن لحماية الطبيعة ينطلق في عَمّان لتحسين البيئة العربية


خاص
تنطلق غدا في عمان (10نوفمبر تشرين الثاني 2015م ), فعاليات المنتدى الاقليمي الثامن لحماية الطبيعة للإتحاد الدولي لحماية الطبيعة – مكتب غرب اسيا- تحت عنوان (بدائل بيئية مبتكرة لبيئة افضل (.

ويهدف المنتدى الذي يقام تحت رعاية رئيس الوزراء الاردني الدكتورعبدالله النسور ويستمر على مدى ثلاث أيام, بحضور المدير العام للاتحاد و رئيس الاتحاد الى وضع الاستراتيجية الاقليمية للإتحاد خلال الفترة القادمة بالاضافة الى تطوير الإجراءات اللازمة لتحقيق الالتزامات العالمية في مجال حفظ التنوع البيولوجي في الاقليم .

ويسعى المنتدى من خلال مشاركة اعضاء الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة في اقليم غرب اسيا بالاضافة خبراء من المنظمات الاقليمية وعدد من صناع القرار الى تحسين التعاون الاقليمي وتوفير منبر للحكومات والمنظمات غير الحكومية والشركاء والقطاع الخاص, للتواصل وتعزيز المعرفة المتبادلة تواصل الاقليمي في قضايا حفظ التنوع البيولوجي والقضاي االبيئية الاخرى.

ومن جانبه قال المدير الاقليمي للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة - مكتب غرب اسيا - فادي الشريدة في تصريح صحفي أن الاجتماع سيوفر معلومات متكاملة حول استراتيجية عمل مكتب غرب اسيا الاقليمية؛ واللجان الوطنية واللجان الاستشارية الإقليمية والانتخابات, والتحضير للمؤتمر العالمي لحماية الطبيعة الذي يعقد العام القادم, بالاضافة لعرض عن الاستراتجية العالمية للاتحاد وعن الخطط التنفيذية في الاقليم للاعوام القادمة.

وبين الشريدة أن الاجتماع يسعى الى مناقشة قضايا التغيرات المناخية وآثارها على التنوع البيولوجي والنظم الإيكولوجية على المستويين العالمي والإقليمي, بهدف الوصول الى افضل الطرق والمقترحات المبتكرة لمواجهة التغيرات المناخية والحد من آثارها والتكيف معها.


وسيعمل المشاركون على بث رسائل لتحسين السياسات و الاستراتجيات البيئية في المنطقة العربية من خلال التنسيق الحكومات وجامعة الدول العربية والمنظمات الاقليمية المختصة.

الاثنين، 26 أكتوبر 2015

أتمتة عملية تحليل البيانات الكبيرة

أتمتة عملية تحليل البيانات الكبيرة
استطاع نظام آلي يستخدم الخوارزميات بدلا من حدس الإنسان أن يتغلب على 615 من أصل 906 فريق بشري.

لاري هارديستي
معهد ماساتشوستس للتقنية MIT

ترجمة: عبدالرحمن أبوطالب

يتضمن تحليل البيانات الكبيرة Big-data البحث عن أساليب مطمورة لديها القدرة على التنبؤ، لكن اختيار ماهية أو "سمات" البيانات المراد تحليلها يتطلب عادة نوع من الحدس البشري. في قاعدة بيانات تحتوي مثلا على تواريخ بداية ونهاية عدة حملات ترويج مبيعات والارباح الأسبوعية، فإن البيانات الحاسمة قد لا تكون التواريخ نفسها بل الفترات الممتدة بينها، وقد لاتكون إجمالي الربح بل متوسط الربح عبر تلك الفترات.

سعى الباحثون في معهد ماساتشوستس للتقنية MIT لاستبدال العنصر البشري في عملية تحليل البيانات الكبيرة بنظام جديد لايبحث فقط عن أساليب جديدة في التحليل بل أيضا تصميم ملامحه. ولإختبار النموذج الأولي من نظامهم، قام الباحثون بإدراجة في ثلاثة مسابقات علمية تتعلق بالبيانات، بحيث يقوم النظام بمنافسة فرق بشرية في إيجاد أنماط تنبؤية في حزمة غير مألوفة من البيانات. ومن بين 906 فريق شارك في الثلاث مسابقات، أنهت "آلة علم البيانات" الخاصة بالباحثين المنافسة متقدمة على 615 فريق.

في مسابقتين من الثلاث مسابقات، كانت التنبؤات التي أدلت بها آلة علم البيانات دقيقة بدرجة  94% و 96%. في المسابقة الثالثة، كان الرقم أكثر تواضعا وبنسبة 87%. لكن الفرق أن الفريق البشري يستغرق في العادة عدة أشهر شاقة لإنتاج خوارزمية للتنبؤ، في حين تستغرق آلة علم البيانات ما بين ساعتين و 12 ساعة لإنتاج التنبؤات المتعلقة بكل مدخلاتها. "نحن ننظر لآلة علم البيانات على أنها مكمل طبيعي للذكاء البشري"، هكذا يقول ماكس كانتر، الحاصل على الماجستير في علوم الكمبيوتر من معهد ماساتشوستس للتقنية MIT والذي تمثل أطروحته أساس فكرة آلة علم البيانات. ويضيف كانتر "هناك الكثير من البيانات في الخارج تحتاج إلى تحليل. وكل ما يتطلبه الأمر منك الآن هو مجرد الجلوس فقط دون أن تفعل أي شيء، لذا ربما يمكننا التوصل إلى حل سيحملنا على الأقل على المضي قدما فيه".

يحضّر كانتر مع المشرف على أطروحته، كاليان فيراماتشينيني Veeramachaneni، عالم الأبحاث في معهد ماساتشوستس للتقنية MIT ومختبر الذكاء الاصطناعي (CSAIL)، ورقة عمل تصف "آلة علم البيانات" سيقدمها كانتر الاسبوع المقبل في المؤتمر الدولي لمعهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات IEEE حول علم البيانات والتحليل المتقدم.

يشارك فيراماتشينيني في قيادة مجموعة ALFA في مختبر الذكاء الاصطناعي التي تطبق تقنية التعليم الآلي لمشاكل معينة في تحليل البيانات الكبيرة، مثل تحديد قابلية توليد الطاقة في الحقول الزراعية بواسطة الرياح، أو التنبؤ بمن هم الطلاب الذين في خطر الإنسحاب من دورات الدراسة عبر الإنترنت. يقول فيراماتشينيني "ما رصدناه من خلال تجربتنا في حل عدد من مشاكل صناعة علم البيانات يعتبر أحد الخطوات الحاسمة فيما يمكن أن نطلق عليه feature engineering "هندسة السمات". ويضيف "أول شيء يجب عليك القيام به هو تحديد ماهي المتغيرات اللازم استخراجها أو جمعها من قاعدة البيانات، ومن أجل ذلك، عليك أن تأتي بالكثير من الأفكار". على سبيل المثال، في التنبؤ السابق المتعلق بالطلاب المنسحبين، تم إثبات اثنين من المؤشرات الحاسمة وهما: طول الوقت الذي يبدأ فيه الطالب بحل المشاكل قبل الموعد النهائي بالإضافة إلى كم من الوقت يقضيه الطالب على الموقع الإلكتروني للدورة مقارنة بزملاءه في الدراسة.

لم تسجل منصة التعليم الإلكتروني لمعهد MIT أيا من تلك الإحصائيات. لكنها جمعت بيانات يمكن الإستدلال بها. استخدم كانتر و فيراماتشينيني حيلتين في ميزة تصنيع مرشَّح السمات لتحليل البيانات. إحدى هذه الحيل كانت استغلال العلاقات الهيكلية الكامنة في تصميم قاعدة البيانات. تخزّن قواعد البيانات عادة أنواع مختلفة من البيانات في جداول مختلفة، ويتم الإشاراة إلى روابط العلاقات المتبادلة بينها باستخدام معرفات عددية. تتقفى آلة علم البيانات أثر هذه الروابط وتستخدمها كإشارة لبناء السمات. على سبيل المثال، جدول واحد قد يسرد قائمة بمواد التجزئة مع تكاليفها، جدول آخر قد يسرد قائمة تشمل الزبائن والمشتريات. ستبدأ آلة علم البيانات في إستيراد التكاليف من الجدول الأول وإدخالة في الجدول الثاني، بعد ذلك، ستأخذ الآلة تلميح أو إشارة نتيجة ترابط عدة عناصر مختلفة في الجدول الثاني مع نفس رقم طلب الشراء، وتنفذ مجموعة من العمليات لتوليد مرشحات للسمات مثل التكلفة الإجمالية للطلب، متوسط التكلفة للطلب، الحد الأدنى للطلب وهكذا.

نتيجة لإنتشار المعرفات العددية عبر الجداول، تركّب آلة علم البيانات العمليات في طبقات فوق بعضها وتعثر على الحدود الدنيا من المتوسطات أو متوسط المجموع، وما إلى ذلك. كما تبحث عن ما يسمى بالبيانات المصنفة والتي تقتصر على مجموعة محدودة من القيم، مثل أيام الأسبوع أو الأسماء التجارية. ثم تولد الآلة مرشحات سمات أخرى بتقسيم تلك السمات الموجودة عبر تصنيفات البيانات.  بمجرد إنتاج مجموعة من المرشحات، تقلل الآلة عددهم عن طريق تحديد تلك القيم التي يبدو أنها مترابطة. ثم تبدأ باختبار المجموعة المختصرة على بيانات نموذجية ودمجها بعدة طرق مختلفة لتحسين دقة التنبؤات التي تنتجها. يقول مارجو سيلتزر، أستاذ علوم الكمبيوتر في جامعة هارفارد والذي لم يشارك في هذا العمل "آلة علم البيانات واحدة من تلك المشاريع المذهلة حيث يفتح تطبيق الأبحاث المتطورة في حل المشاكل طريق جديد تماما في النظر إلى المشكلة". ويضيف سيلتزر "أعتقد أن مافعلوه سيصبح سريعا معيار، سريعا جدا".


http://news.mit.edu/2015/automating-big-data-analysis-1016

الثلاثاء، 15 سبتمبر 2015

العسل، ونبوءة آينشتاين



العسل، ونبوءة آينشتاين
حبيب سروري –العربي الجديد

في 13 مايو/ أيار الماضي، كشفت جامعة ماريلاند الأميركية، في تقرير سنوي، أرقاماً مخيفة عن مصيبةٍ كبرى: انقراض 42% من مستعمرات النحل في أميركا، خلال العام الماضي، فأعلن أوباما بعد ستة أيام خطّةً وطنيّة لتلافي ذلك، ولحقتهُ فرنسا بإجراءت شبيهة.
احتمال انقراض النحل من المعمورة خبرٌ جدّ مريع، أشبه بِـ"علامات الساعة"، إذ يعيد إلى الذهن نبوءةَ آينشتاين الشهيرة: "إذا اختفى النحل من سطح الأرض، فلن تعيش الإنسانية أكثر من 4 سنوات بعد ذلك: لا نحل، لا تلقيح، لا نبات، لا حيوانات، لا إنسان".
خلية نحل - وادي حضرموت
الخبر مريعٌ خصوصًا لمن دخل مع النحل بعلاقةٍ صوفيّة، متعدِّدة الأبعاد والجوانب، منها؛ متابعة النشاطات العلمية في مجالات "الذكاء الجمعي"، في أبحاث علوم الكمبيوتر، التي تحاول محاكاة النحل في تكوين شبكات من كينونات برمجيّة (Agent)، كلّ فردٍ منها بدون ذكاءٍ يستحقّ الذكر، لكنها معاً تشكِّلُ منظومات معقّدة، شديدة الذكاء، جبّارة القدرات.
إذ للنحلة دماغٌ حجمه مليمتر مكعب، لا يمتلك أكثر من مليون عصبون. لكن مجموع النحل في الخلية (50000) تشتغل بدماغٍ ألمَعِيّ، كل نحلةٍ عصبونٌ من شبكة عصبوناته. يُمَكِّن العملُ والتفاعلُ المشترك ذلك الدماغَ الجمعي من امتلاك مقدّرات فريدة: تآزر، تكيّف، اتصال، تعلّم، استيعاب للبيئة المحيطة، مقدّرات يصعب سبرها في مقال.
فقد برهن عالِم الرياضيات كوينج، مثلاً، في ورقة علميّة سمحت له بدخول الأكاديمية الفرنسية في عام 1740، أن مورفولوجيا طبقات الشمع الذي يشيّده النحل، والأشكال السداسية لتجويفات خلاياها، تسمح بإيجاد الحل الرياضي الأمثل لهذه الإشكالية: كيف يمكن استخدام أقل كميّةٍ محدّدة من الشمع لبناء أكبر عدد من الخلايا المتشابهة والمتماثلة، في أصغر مساحة داخل الخليّة؟ وقد شرح داروين في كتابه الشهير"في أصل الأنواع"، كيف أثّر مبدأ "الانتقاء الطبيعي" في الوصول إلى كلّ ذلك الإبداع العبقري.

اقرأ أيضاً: كيف تُشيّدُ المعاجم التاريخية الحديثة؟

عسل يمني - وادي حضرموت
مريعٌ انقراض النحل لمَن يدهشه الشكل الجديد لاقتصاد اليوم المستلهمِ من حياة النحل: "الاقتصاد التلقيحي"، وتداعياته على الحضارة الإنسانية. فهذا النموذج الجديد الذي بدأ يكتسح الاقتصاد المعاصر، مبنيٌّ على كون أهمية النحل تكمن في التلقيح الذي يفوق مردودُه (يعادل 15 مليار دولار سنويّاً في أميركا) بكثير مردودَ إنتاج العسلِ (أقلّ من مليار دولار). ويكفي رؤية نموذج اقتصاد غوغل على الإنترنت: بمجرد نقر المستخدم للمتصفح، يمتصُّ كالنحلة الرحيقَ المعلوماتي من المتصفح، يستفيدُ منه، ويلقِّحه بمعلوماتٍ مرتبطةٍ بحاجاته، واهتماماته وطبيعة شخصيّته.
هكذا، فالتلقيح استعارةُ النموذج الاقتصادي الجديد، فيما إنتاج العسل استعارةُ النموذج القديم. نحن هنا أمام نمطٍ جديدٍ من اقتصادٍ تعاضدي، معرفي، يتكئ على مفهومَي: شبكة الشبكات الاجتماعية، والتلقيح الإنساني.
مريعٌ انقراض النحل بشكلٍ قوي لمن قرأ أخيراً كتاباً إنسكلوبيديّاً مدهشاً، يسرد شغف الفلسفة والفكر الإنساني بالنحل، منذ مهد الفكر الإنساني: "النحل والـ فيلسوف"، من تأليف الأخوين بيير هنري وفرانسوا تافوالو، الأوّل أستاذٌ في الفلسفة في جامعة السوربون عاشق للنحل، والثاني نحّال عاشق للفلسفة.
فمنه اكتشفتُ أن الإنسان، منذ أن صار يفكٍّر، أعجب بالنحل كما لم يعجب بكائنٍ حيٍّ آخر. رأى في نمط حياة خليّة النحل تكثيفاً لِحياة البشر: مجتمعٌ ينتج، يبني، يُحوِّل، يعالج، يدافع عن نفسه، يهاجر، يحارب. ويتغذّى من رحيق الأزهار ـ غذاء الآلهة ـ ليفرز العسل: المنتوج الطبيعي الوحيد الذي لا يتخثّر أبداً، ولذلك استخدمه في تحنيط الملوك. ثمّ النحل، كما يقول المؤلفان: الجسر الذي يؤالف بين المتضادات، وهو ينتقل من "الطبيعة" إلى "الثقافة": يلدغ بشكلٍ مؤلم، ويفرز ألذّ غذاء.
للنّحل دورٌ جوهريٌّ في الميثولوجيا الإغريقية: من ناحيةٍ، لم يصبح كبير آلهة الأولمب، زوس، جبّاراً قادراً على منافسة وهزيمة والده كورنوس، إلا لأنه تغذّى في طفولته بالعسل، وخدَعهُ يوماً بوجبةٍ مغمورةٍ بالعسل. ومن ناحيةٍ أخرى، كانت نهاية "شهر العسل" بين الآلهة أورفيه وأوريديس نتيجة "لدغة" إرستيه، ربّ النحل في ميثولوجيا الإغريق، الذي دفع ثمناً لذلك: انقراض نحله، ربّما تفجّرَ حينها الخوف الميثولوجي من ذلك الانقراض، الذي تعكسهُ ما تُسمّى بنبوءة آينشتاين.
من القصّتين يظهر مجدّداً أن النحل سيفٌ ذو حدِّين: اللدغة والعسل، وجسرٌ بين الطبيعة والثقافة، كما قال المؤلفان.

اقرأ أيضاً: ذاكرة المغارات

قضّى كبير فلاسفة الإغريق، أرسطو، حياته يدرس النحل، وكتب عنها أكثر ما كتب عن الكائنات الحيّة غير الإنسان. درسها لأنها بالنسبة له: كونٌ مصغّر.
كذلك شأن كلّ فلاسفة ومفكري الغرب تقريباً: اهتمّ بها الجميع، من فيرجيل والقديس أوغسطين، إلى كلّ فلاسفة الحداثة حتّى ماركس وهايديجر، مروراً بمفكّري العلم الحديث، كلٌّ حسب تخصصة ومزاجه: النحل لهذا الفيلسوفِ رمزٌ للمَلَكيّة، ولذاك رمزٌ للديمقراطية أو الجمهورية، وللقديسِ المسيحي رمزٌ للإخصاب بلا دنس.
ولكلمة "العسل" في اللاوعي العربي مدلولٌ يراوح بين "النعيم" و"اللذة". وفي الفكر الإسلامي، للنحل مقامٌ استثنائي: آيتان تجليليّتان في سورةٍ النحل: "وأوحى ربّكَ إلى النحل"، و"نهرٌ من عسلٍ مصفّى" في جنة المسلمين. هناك عدّة أحاديث شريفة تُشبِّهُ المؤمنَ بالنحلة، ونصوصٌ فقهيّة لابن الأثير مثلاً في الاتجاه نفسه. وقد لخّص الإمام كمال الدين الدميري حياة النحل في كتابه "حياة الحيوان"، كما كان يتصوّرها ناس ذلك الزمان.
يجهلُ الكثيرون أن اكتشاف العلم تشريحَ النحل، بفضل ميكروسكوب جاليلو، قد أدّى دوراً رئيساً في انطلاق الثورة العلميّة. دورٌ يماثل مستوى دور جاليلو الذي دحض المسلّمات الفلكية العتيقة. وقبل ذلك، كان العالم أجمع، منذ الأزل، يظنُّ أن ملِكةَ النحل ذكرٌ سُمِّيَ دوماً: ملِك النحل، أو اليعسوب، بالعربية. فوفقًا لمعاجم لغتنا: "اليعسوب ملكة النحل، وكان العرب يعتقدون أنها ذَكَر". كذكَرٍ تحدّث عنها الدميري وفقهاء الإسلام. وقد سقطت المسلّمةُ الذكورية هذه، بفضل اختراع الميكروسكوب وتطويره، وكانت أوّل دراساته التجريبية حول النحل تحديداً.

السبت، 15 أغسطس 2015

كيف يتسبب البشر بالانقراض الجماعي؟


كيف يتسبب البشر بالانقراض الجماعي؟
بول آر آرليخ*
آن أتش آرليخ**
الجزيرة نت
لا أحد يستطيع أن يشكك في حقيقة مفادها أن الأرض تمر بالحقبة السادسة من الانقراض الجماعي في تاريخها. وقد كانت الأولى هي التي قضت على الديناصورات تماما قبل نحو 65 مليون سنة. وتشير دراسة حديثة إلى أن الأنواع تنقرض الآن بسرعة تتراوح بين عشر مرات وعدة آلاف من المرات مقارنة بحالها أثناء الفترات المستقرة في تاريخ كوكب الأرض.
كما تتناقص أعداد كل نوع على حِدة بسرعة أكبر بمئات أو آلاف المرات من سرعة انقراض الأنواع ككل. وأحد التقديرات يشير إلى أن الأرض خسرت نصف الحياة البرية في السنوات الأربعين الماضية. ولا توجد أية شكوك أيضا إزاء السبب الذي هو نحن.
فنحن نمارس عملية تدمير كامل لرفاقنا الوحيدين المعروفين في الكون، وكثير من هؤلاء الرفاق مخلوقات جميلة، وجميعها معقدة ومثيرة للاهتمام. وهي مأساة حقيقية، حتى لدى أولئك الذين لا يبالون بخسارة الحياة البرية. الواقع أن الأنواع التي تختفي بسرعة هي أساسا التي تزود البشر بخدمات بيئية لا غنى عنها، مثل تنظيم المناخ، والحفاظ على خصوبة التربة، وتلقيح المحاصيل والدفاع عنها ضد الآفات، وتصفية المياه العذبة، وتوريد الغذاء.
والسبب وراء هذا التسارع العظيم في معدلات خسارة التنوع البيولوجي على كوكب الأرض واضح، وهو النشاط البشري السريع في التوسع، والمدفوع باكتظاظ سكاني متزايد، فضلا عن تزايد نصيب الفرد في الاستهلاك. فنحن ندمر المَواطن الطبيعية لإفساح الطريق للمزارع والمراعي والطرق والمدن. والتلوث الذي ننتجه مسؤول عن اضطراب المناخ وتسميم الأرض والماء والهواء. ونحن ننقل كائنات عدوانية إلى مختلف أنحاء الكوكب ونفرط في حصاد النباتات والحيوانات ذات القيمة التجارية أو الغذائية.
"أحد التقديرات يشير إلى أن الأرض خسرت نصف الحياة البرية في السنوات الأربعين الماضية. ولا توجد أية شكوك أيضا إزاء السبب الذي هو نحن"
وكلما تزايد عدد البشر بات من الضروري حشد المزيد من موارد الأرض الإنتاجية لدعمهم، فتزايد البشر يعني حرث المزيد من الأراضي أو تحويلها إلى بنية أساسية حضرية لدعم المدن المتزايدة الضخامة مثل مانيلا وتشنجدو ونيودلهي وسان خوسيه.
وتزايد البشر يعني زيادة الطلب على الوقود الأحفوري، وهو ما يعني بدوره تدفق المزيد من الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي إلى الغلاف الجوي، والذي ربما يمثل التهديد بالانقراض الأعظم على الإطلاق. ومن ناحية أخرى نحتاج إلى تدمير المزيد من أراضي كندا لاستخراج البترول المنخفض الدرجة من الرمال النفطية، والمزيد من أراضي الولايات المتحدة لاستخراج النفط والغاز الصخريين بطريقة التكسير الهيدروليكي.
كما يعني تزايد البشر إنتاج المزيد من أجهزة الحاسوب والمزيد من الهواتف المحمولة، فضلا عن المزيد من عمليات التعدين للتنقيب عن العناصر النادرة اللازمة لتصنيعها. ويعني أيضا المزيد من استخدام المبيدات الحشرية والمنظفات الصناعية والمضادات الحيوية والمواد اللاصقة ومواد التشحيم والمواد الحافظة والمواد البلاستيكية، التي يحتوي العديد منها على مركبات تحاكي الهرمونات الثديية. بل ويعني كذلك تزايد الجسيمات البلاستيكية المجهرية في المحيط الحيوي وهي الجسيمات التي ربما تكون سامة أو ميالة إلى اجتذاب السموم على أسطحها.
ونتيجة لهذا، كل الكائنات الحية -بمن فيها نحن- أصبحت غارقة في حساء سام مقزز، مع دفع الكائنات غير القادرة على التكيف في مسار متزايد السرعة إلى الانقراض.
مع كل شخص جديد تتفاقم المشكلة سوءا، ولأن البشر أذكياء فإنهم يميلون إلى استخدام الموارد التي يسهل الوصول إليها أولا، فهم يستوطنون الأراضي الأكثر خصوبة وإنتاجية، ويشربون المياه الأقرب والأنظف، ويستغلون موارد الطاقة الأكثر سهولة في الوصول إليها.
وبالتالي، فمع وصول أناس جدد يُنتَج الغذاء على أراض أقل خصوبة وأكثر هشاشة، وتُنقَل المياه إلى مسافات أبعد أو تُطَهَّر، وتُنتَج الطاقة من مصادر أكثر هامشية. باختصار، كل شخص جديد ينضم إلى سكان الأرض من البشر يزيد على نحو غير متناسب من الضغوط المفروضة على الكوكب وأنظمته، ويسبب المزيد من الضرر البيئي ويدفع المزيد من الأنواع إلى الانقراض مقارنة بأعضاء الأجيال السابقة.
"كل الكائنات الحية -بمن فيها نحن- أصبحت غارقة في حساء سام مقزز، مع دفع الكائنات غير القادرة على التكيف في مسار متزايد السرعة إلى الانقراض"
ولكي يتسنى لك رؤية هذه الظاهرة وهي تُحِدث أثرها الفتاك ما عليك إلا أن تفكر في صناعة النفط. عندما حُفِرت أول بئر في بنسلفانيا عام 1859، لم يتطلب الأمر النزول إلى عمق أكثر من سبعين قدما داخل التربة للوصول إلى النفط. وعلى سبيل المقارنة، بدأ حفر بئر ديب واتر هورايزون التي انفجرت في خليج المكسيك عام 2010، على مسافة ميل تحت سطح الماء، ثم استمر الحفر لبضعة أميال أخرى في الصخر قبل العثور على النفط. وقد استلزم ذلك استخدام كمية هائلة من الطاقة، وعندما انفجرت البئر كان احتواؤها أصعب كثيرا، مما أدى إلى إلحاق ضرر مستمر وواسع النطاق بالتنوع البيولوجي في منطقة الخليج والسواحل المجاورة، فضلا عن العديد من الاقتصادات المحلية.
بوسعنا أن نلخص الوضع ببساطة، فالتوسع السكاني البشري في العالم يفرض منافسة شديدة على سكان الكوكب من أغلب الحيوانات الأخرى (تشمل الاستثناءات الفئران والماشية والقطط والكلاب والصراصير). ومن خلال التوسع في الزراعة نستولي الآن على ما يقرب من نصف الطاقة التي تصدرها الشمس والمستخدمة لإنتاج الغذاء لكل الحيوانات. ومن الواضح أن احتياجاتنا في تزايد مستمر.
ومع استئثار الحيوان الأكثر هيمنة في العالم -وهو نحن- بنصف الكعكة، فليس من المستغرب أن تبدأ الملايين من الأنواع المتبقية التي تتصارع على النصف الآخر من الكعكة في الاختفاء بسرعة. وهذه ليست مجرد مأساة أخلاقية، بل يرقى الأمر إلى خطر داهم يهدد وجودنا. ذلك أن الانقراض الجماعي سوف يحرمنا من العديد من خدمات النظم الإيكولوجية التي تعتمد عليها حضارتنا. وقد أوقعت القنبلة السكانية أولى ضحاياها بالفعل. ومن المؤكد أنها لن تكون الأخيرة.
______________________
* أستاذ الدراسات السكانية في قسم العلوم البيولوجية بجامعة ستانفورد
** مديرة ومنسقة السياسات المشاركة لمركز علوم حفظ الأحياء في جامعة ستانفورد
المصدر : بروجيكت سينديكيت