الأحد، 29 سبتمبر 2013

أعجوبة الهندسة المائية من مملكة سبأ... صهاريج عدن



 عدن - عمر الحياني 


ساعات مرت ونحن في طريقنا الى صهاريج عدن، أو ما يعرف بـ«صهاريج الطويلة». هبطنا بالسيارة التي أقلتنا من العاصمة صنعاء، الواقعة على ارتفاع 2150 متراً فوق سطح البحر، جنوباً باتجاه مدينة عدن على ساحل خليج عدن.

قطعنا في رحلتنا نحو 400 كيلومتر، مررنا خلالها على سهول منبسطة وجبال شديدة الانحدار. في هذه المنطقة عمل الانسان اليمني على تكييف الطبيعة الجبلية الوعرة وتحويلها الى مدرجات زراعية خضراء، وعلى جوانب الوديان أنشأ نظامه المائي وأقام السدود، ليحولها الى جنة في «الأرض السعيدة».

قبل وصولنا إلى عدن، أخذت الجبال تتلاشى شيئاً فشيئاً ونحن نقترب من مدينة لحج ونهبط تدريجياً نحو سهل دلتا تبن. ثم انبسطت الطريق، وعلى جانبيها منظر باهر بأفقه البعيد الممتد على مزارع الحسيني الخضراء الشهيرة بزراعة الفل والمانغو.

في أقصى المنحدر من جبل شمسان تراءت لنا صهاريج عدن من بعيد، كأسطورة من ملاحم الأدب الشعبي، حيث تدهشك عبقرية البناء وعظمة الانجاز.

صهاريج عدن
على فوهة بركان خامد تقع مدينة عدن. وفي جنوبها تقع الصهاريج، أو الخزانات، في مدينة كريتر بمديرية صيرة، وتحديداً في وادي الطويلة أسفل مصبات هضبة عدن المرتفعة نحو 250 متراً عن سطح البحر.

هناك مارس اليمنيون القدامى عباداتهم بإقامة أماكن النحران وسط الصهاريج في اتجاه كوكب الزهرة، لتقديم الذبائح في مواسم الجدب والجفاف، لتغدق عليهم «الآلهة» نعيم البركات من الأمطار وتبعد عنهم سنوات القحط.

وعلى رغم مرور ما يربو عن 35 قرناً، ما زالت سلسلة الممرات والصهاريج تؤدي دورها في تغذية المياه والحفاظ على مدينة عدن من السيول الى يومنا هذا.

من الأقدم والأجمل

يعود تاريخ بناء صهاريج عدن إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد، في عهد مملكة سبأ. وبلغ عددها نحو خمسين صهريجاً، أكبرها يتسع لنحو 18 ألف متر مكعب، وما زال 18 صهريجاً منها قائماً الى الآن. وهي تعد من أقدم أنظمة الري، ووصفها الرحالة والأديب اللبناني أمين الريحاني بأنها «من أجمل الأعمال الهندسية في العالم». وقد بنيت من الصخور البركانية ومادة «القضاض» التي تشبه الإسمنت، والمكونة من الرماد البركاني المخلوط بحجر الكلس (النورة) مع الهيلس والنيس تحت حرارة وضغط عاليين.

يقول أستاذ هندسة العمارة في جامعة صنعاء حازم شكري: «صهاريج عدن واحدة من الحلول المائية التي شيدها الانسان اليمني لمواجهة الجفاف ولحفظ المياه لأغراض الزراعة والشرب. وتعد صهاريج بني حماد في تعز شبيهة بها من ناحية الهدف والبناء».

تأخذ الهضبة الواقعة ضمن جبل شمسان شكلاً شبه دائري، حيث مصب السيول عند رأس وادي الطويلة على مضيق يبلغ طوله 225 متراً. وتتصل الصهاريج بعضها ببعض في شكل سلسلة، بحيث تعمل الصغيرة في بداية الوادي بمثابة سدود لتصفية الرمل والطمي، مع ارتفاع فتحات ممرات السيول في الصهاريج.

صهاريج عدن ومنحدر جبل شمسان
يمتلئ الصهريج الأول في أعلى الوادي بمياه السيول المندفعة من قمة الهضبة. وينساب الماء الفائض عبر قناة وممرات الى الصهريج الثاني، ليمتلئ هو بدوره، ثم ينساب الماء إلى الصهريج الذي يليه، وهكذا الى آخر ممر على ساحل خليج عدن.

وثمة أحواض صغيرة في طرفي المضيق تتلقف السيول الجارية من سفوح الهضبة، وهي متصلة عبر ممرات وقنوات بالصهاريج الكبيرة.

وللمحافظة على نظافة الصهاريج والمياه المحفوظة فيها، بنيت سدود قصيرة في وسط المضايق الجبلية وعلى جوانبها، منعاً للطين والحصى والعوالق من الانجراف مع المياه المندفعة من المنحدرات الى داخل الصهاريج، ولتسهيل إخراجها من الصهاريج.

وقد شرح الباحث اليمني عبداللـه أحمد محيرز في كتاب «صهاريج عدن» أن نظام التصريف «لم يكن مقتصراً على هدف خزن المياه لتوفيره للمستهلك، مثلما تعمل بقية الصهاريج والخزانات في عدن، بل كان نظاماً دينمائياً وتكنولوجياً بارعاً يجعله وسيلة لتلقف الماء عبر جدران حاجزة، إما منحوتة في الصخر وإما مبنية بالحجارة والقضاض، وتقوم بثلاث مهمات: تلقف الماء، وحجز الحجارة والطمي الساقط مع الشلالات، وتوجيه الماء عبر سلسلة من الجدران لتصريفه إلى حيث تكون الحاجة إليه».

خزانات صهاريج عدن
مواجهة الشح وحماية المدينة

بنيت الصهاريج بغرض معالجة مشكلة شح المياه العذبة في هذه المنطقة البركانية، من خلال إقامة منشآت مائية من آبار وحياض وصهاريج لحفظ مياه الأمطار. وهي تحمي المدينة من الفيضانات الموسمية، بتلقفها السيول من أعالي الهضبة وتخفيف اندفاعاتها وتغذية الآبار الجوفية عبر فتحات خاصة صممت بشكل دائري في قاع كل صهريج.

وعبر سلاسل من الممرات والصهاريج المتدرجة والممتدة من أعالي وادي الطويلة الى شاطئ خليج عدن، يمر فيضان السيول باتجاه البحر حفاظاً على المدينة من الانجراف.

يقول مدير عام صهاريج عدن خالد رياض «إنها هندسة مائية فريدة من نوعها. ففي هذه البيئة البركانية الفقيرة بالمياه اجترح اليمنيون القدماء من المعاناة عملاً هندسياً ابداعياً. فعبر الممرات والصهاريج المتسلسلة تحفظ المياه بعد أن تمر بمراحل تصفية للتخلص من الطمي والرمال، بحيث تصل الى المراحل الأخيرة وهي صالحة للاستعمال».

وتنتشر أبنية سكنية خارج أسوار الصهاريج. ويقول أحمد سعيد، وهو من سكان الجوار: «تعد الصهاريج أحد الاحتياطيات المائية لمدينة كريتر، وخاصة في الظروف الاستثنائية. وهي عامل تغذية للآبار في المدينة». ولا يخفي شكواه من حالات الغرق المتعددة في الصهاريج وعدم وجود فريق متخصص بالإنقاذ في أوقات فيضانها.

لدى اليمن تجربة قديمة في بناء السدود والحواجز والصهاريج المائية، لكن حصة الفرد المتدنية من المياه، البالغة نحو 125 متراً مكعباً في السنة وفق تقرير منظمة الأغذية والزراعة (فاو) الذي صنفها بين أفقر10 بلدان في العالم مائياً، يرافقها استنزاف حاد للموارد المائية القليلة وضع البلد في مواجهة حتمية مع الجفاف.

التجربة اليمنية القديمة في الحفاظ على المياه جديرة بالاعتبار والاستلهام اليوم، في مواجهة مستقبل ينذر بكارثة مائية وشيكة.

صحيفة الوسط


الجمعة، 27 سبتمبر 2013

تصلب الشرايين سوس ينخر العصر




د.مروان الغفوري
قد يصبح مصطلح "تصلب الشرايين" من أكثر المصطلحات تداولا على مستوى العالم في السنوات القادمة، فطبقا لإحصائيات منظمة الصحة العالمية فإن حوالي 17.3 مليون شخص ماتوا عام 2008 بسبب هذا المرض. ومن المتوقع أن تتزايد وفيات أمراض القلب والشرايين لتصل إلى 23.3 مليون حالة وفاة عام 2030 وفق المنظمة، وتحدث 80% من هذه النسبة بالدول الفقيرة والمتوسطة الدخل.

وتضع هذه الصورة القاتمة لطغيان أمراض القلب والشرايين البشرية أمام منحنى حرج. وعندما نقول "أمراض القلب" فنحن أيضا نعني، مع قليل من التحفظ، أمراض الشرايين. فعبر متتالية مرضية شديدة التعقيد ينتهي تصلب الشرايين التاجية بأمراض جسيمة على مستوى وظيفة القلب وبنيته أيضا.
دكتور : مروان الغفوري

غير أن مصطلح تصلب الشرايين يتسع أكثر ليسيطر على مساحات الكائن البشري المترامية. فتضيقات شرايين العنق المغذية لنسيج الدماغ، وشرايين الأحشاء التي تمد سائر الأجهزة بالدم وكذلك شرايين الأطراف، تندرج جميعها ضمن "تصلب الشرايين".

وتقود أمراض الشرايين بلا منازع البشرية إلى تدميرها الذاتي، وفي السنوات الأخيرة تنحّت الأمراض المعدية لتحل مكانها أمراض القلب والشرايين بالمرتبة الأولى كأبرز مهدد للصحة العالمية.
أمراض القلب والشرايين أبرز مهدد للصحة العالمية (دويتشه فيلله)

لنعد في الزمن
دعونا نعُد إلى الوراء قليلا لعام 1931، في هذه السنة نشرت بعثات استكشافية أسترالية صورا لسكان جزيرة حديثة الاكتشاف "غينيا الجديدة".

كان كل شيء في الصورة غير مألوف، فأولئك البشر يعيشون خارج الحضارة الإنسانية عبر مراحلها كلها منذ زمن اختراع الكتابة.

وفي كتابه "العالم حتى الأمس" يعلق البروفيسور جيرد دايموند -الذي قضى حوالي نصف قرن بدراسة القبائل البدائية على تلك الجزيرة- بقوله إن شيئا أساسيا لا يبدو عليهم: السمنة. ويجري مقارنة بين تلك الصور وصورة جديدة التقطتها عيناه بمطار "بورت موريسبي" في غينيا الجديدة عام 2006، إذ أصبح الجيل الجديد من سكان الجزيرة يعاني من السمنة وضغط الدم وأمراض السكر، وبالضرورة مرض تصلب الشرايين.

ويقول دايموند: لو سألت أطباء المطار لأكدوا لي ذلك بالفعل، لقد نقلت حضارتنا الحديثة التكنولوجيا ووسائل الرفاه لهم، وأيضا آفتها المعاصرة "تصلب الشرايين".

اخترعت الحضارة البشرية الحالية وسائل الرفاهية والمتعة، وحولت الحياة على ظهر الكوكب من متحف إلى حفلة، لكنها أيضا أضعفت الكائن البشري من الداخل. لم نصبح أقل قدرة على مواجهة التحديّات العميقة فحسب، بل وأكثر هشاشة أيضا.
وتتحدث الدراسات الطبية الحديثة عن "وباء" اسمه تصلب الشرايين. في مطلع القرن الماضي كان لا يزال مرضا مثل سائر الأمراض، أو متلازمة مرضية عديدة الأبعاد. أما مع الآن فقد أصبح وباء يهيمن على مشهد الصحة البشرية. لكن دعونا نتحدث عن أسباب المرض، كيف نشأ هذا الوباء؟ ماذا تقول منظمة الصحة العالمية؟ وبماذا توصي؟ وكيف نسوّر الحضارة ضد هذا التنين؟

تغيرات حضارية
 تواجه الصحة البشرية، وفق التقرير العالمي حول ضغط الدم الصادر عن منظمة الصحة العالمية 2013، تغيرات حضارية سريعة تؤثر بصورة مباشرة على مستقبلها: شيخوخة المجتمعات، التمدن المتسارع غير المدروس، وعولمة الأنماط الحياتية غير الصحية.
التدخين يدمر الشرايين (دويتشه فيلله)

وفي مقدمة الظواهر المرضية الحديثة التي أنتجتها الأنماط الحضارية الحديثة للحياة والعلاقات البشرية، يأتي ضغط الدم.

ووفق المنظمة الأممية فإن ضغط الدم يصيب حوالي مليار من البشر، ويقتل تسعة ملايين كل عام. وعندما نتحدث عن ضغط الدم الذي يطلق عليه أيضا مصطلح القاتل الصامت، فنحن نتحدث عن صيرورته إلى "تصلب الشرايين".

فالترجمة النهائية لضغط الدم تأتي عبر أمراض القلب، والجلطات الدماغية، وأمراض الكلى، وتضيق شرايين الأطراف. إننا أمام نتيجة درامية لتغيرات أنماط الحياة، تؤول إلى تدمير أنهار الجسد البشري: الشرايين. وبالضرورة تدمير بنيته ومستقبله الفردي والجماعي.

ولا يعمل ارتفاع ضغط الدم وحيدا. فهو يتداخل مع شبكة معقدة من الظواهر المرضية التي يساند بعضها بعضا: مرض السكر، والتدخين، والسمنة، وارتفاع منسوب الدهون المرضية في الدم. فضلا عن عوامل سلوكية أخرى: قلة المجهود، والوجبات السريعة، والقلق والتوتر، وتناول الخمور.

وضعت منظمة الصحة العالمية "خارطة طريق 2013-2020" للتعامل مع "الأمراض غير المعدية" وتحديدا تلك التي تؤدي إلى تصلب الشرايين. تقترح الخارطة تعاونا حقيقيا من قبل الحكومات وأنظمة الصحة المحلية، وتستهدف خفض مستويات التدخين، واستخدام الملح في الطعام، وضغط الدم، والسمنة. في المجمل تهدف خارطة الطريق إلى تحقيق انخفاض ملحوظ في وفيات أمراض تصلب الشرايين بحلول عام 2020 عبر مواجهة العوامل المسببة له.

سياسات مخصصة وذكية
واقترحت المنظمة أن تهتم كل دولة بالمشكلة الأكثر حضورا لديها. فهناك دول سيكون عليها أن تضع السياسات الذكية للتعامل مع موضوع التدخين، بينما سيكون على دول أخرى مثل الصين، على سبيل المثال، أن تضع موضوع ملح الطعام بالمقدمة. في الدول العربية، الخليجية مثلاً، تلعب السمنة، ومرض السكر، وانخفاض معدلات النشاط الجسدي، الدور الرئيسي في متتالية تصلب الشرايين. 
خفض معدلات السمنة يحسن صحة المجتمع (الجزيرة)

غير أن الطب لا ينتظر السياسات الحكومية، فهو يضع مقترحات سريعة يمكن للشخص أن ينفذها بأقل قدر من التكاليف: الامتناع عن التدخين، أو خفض عدد السجائر في اليوم، وممارسة الرياضة لمدة لا تقل عن ثلاثين دقيقة في اليوم، وتناول الخضراوات والفواكه كحد أدنى ثلاث مرات في اليوم، والتقليل من استخدام الملح في الأطعمة، وتقليل معدل الاعتماد على الوجبات السريعة كمصدر للغذاء.

وتتحدث الدراسات التي تنشر تباعا بأوروبا عن نجاحات جزئية في التعامل مع هذه الظاهرة الحضارية، كخفض معدلات التدخين وتطوير عملية المسح والعلاج المبكر لضغط الدم ومرض السكر. لقد حققت الدول الحديثة إجمالا، إنجازا كبيرا في خفض نسبة وفياتها بسبب أمراض تصلب الشرايين.

ووفق منظمة الصحة العالمية فإن 80% من وفيات أمراض القلب والشرايين تحدث بالدول الأقل دخلا والدول الفقيرة. وبالنسبة لهذه الدول التي تعيش مشاكل اقتصادية واجتماعية وأمنية جمة فإن آخر ما تنتظره هو أن يضيف الوضع الطبي الحرج عبئا عموديا على جهازها الفقري الهش. أي أن هذه الدول لن يكون بوسعها أن تتحدث بالمستقبل عن دولة الرفاه، بل عن إمكانية البقاء. وهذا ليس من قبيل المبالغة المجازية.
-----------------------------
*أخصائي أمراض القلب والأوعية الدموية
المصدر:الجزيرة

السدود الرملية... لإحياء الأرض الميتة!



السدود الرملية... لإحياء الأرض الميتة!


قد تتغير خلال الفترة المقبلة قواعد اللعبة فيما يتعلق بحاجات المياه في منطقة شرق أفريقيا القاحلة، وذلك بعد اكتشاف بحيرة جوفية بحجم ولاية دالاوير الأميركية تحت صحراء كينيا هذا الشهر.
وقال بعض العلماء والخبراء المتخصصين من منظمة الأمم المتحدة، إن هذا المخزون المكتشف حديثاً من مليارات الجالونات من المياه العذبة، إذا ما تم ترشيد استخدامه، قد يساهم على نحو جيد وفعال في إحياء موات الصحراء في شرق أفريقيا إلى أجل غير مسمى.



لكن على المدى المتوسط، وفي الوقت الذي تعاني فيه التجمعات السكانية الكينية من نقص المياه، فقد بدأ كثير من الناس في اللجوء إلى إقامة ما يسمى «السدود الرملية»، وذلك بهدف احتجاز وتخزين السائل الطبيعي الثمين لاستخدامه خلال فترات الجفاف وأوقات عدم تهاطل المطر.
وقد أقيم بالفعل ما يزيد على ألف سد رملي في شرق أفريقيا خلال العقد الماضي، وهي طريقة بسيطة للغاية وقليلة الكلفة وذات كفاءة جيدة لتخزين ملايين الجالونات من المياه عبر احتجازها في أكوام من الرمل مع إمكانية الحصول عليها عندما تجف الأنهار.
ويحتاج الكينيون في مقاطعات كيتوي وماتشاكوس وماكوني إلى المياه لري المحاصيل الزراعية، ناهيك عن الشرب. لكن أنهارهم الرئيسية لا تفيض إلا موسمياً. أما الآن فقد أصبح الفلاحون المحليون يزرعون المحاصيل ويحصدونها على مدار العام في عدد من القرى.
وربما تعود تقنية السدود الرملية إلى العصر الروماني، لكنها وصلت حد الإتقان في القرن الحادي والعشرين من خلال التعاون المثمر بين مجموعة من المواهب في جمعية أهلية بريطانية تدعى اكسلانت ديفلوبمنت (التنمية الممتازة) ومزارع كيني يدعى جوشوا موكوسيا وأفراد من أتباع طائفة مينو سايمونز المسيحية في أميركا الشمالية.
ويتم بناء السدود الرملية بإقامة حاجز، وأحياناً حاجزين طويلين من الخرسانة في مجرى النهر، ويوضع أنبوب بلاستيكي به ثقوب تحت الحواجز. وعندما ينزل المطر تحمل المياه الرمل في مجرى النهر ليختزنه فوق وحول مستوى الحواجز.
وفي نهاية الموسم المطير تبقى المياه محتجزة في الرمل المتكوم أحياناً لمسافة طويلة في مجرى النهر. ومع مرور الوقت تتسرب المياه إلى الأنبوب الذي به ثقوب (في عملية تساعد أيضاً على تنقية المياه)، ثم يتم تجميع المياه باستخدام مضخة يدوية أو في بركة أو في بعض الأحيان في حفرة بسيطة تحفر عند قاعدة السد فيما يصبح بركة مياه مخزنة يمكن أن تروي عطش 1200 شخص في العام.
وفي أول مؤتمر دولي بشأن السدود الرملية في ماتشاكوس، وهي بلدة قريبة من نيروبي، أشار خبراء إلى أن سد الرمل المتوسط يستطيع أن يختزن ملايين الجالونات من المياه لسنوات ويوفر المياه للري حتى عندما لا يسقط المطر.
وقال كيفين كيمويا كبير المديرين التنفيذيين في منظمة يوتني للتنمية، وهي جمعية أهلية للسدود الرملية أسسها جوشوا موكوسيا: «حولنا حرفياً أراضي قاحلة وشبه قاحلة إلى بعض من أكثر الحقول إنتاجاً. ومازلنا نقدم المياه إلى مجتمعنا من خلال إقامة سدود رملية... وهذا يمثل أساساً لحل مشكلة الأمن الغذائي والمائي محلياً ودولياً، الآن وفي المستقبل».
وتنتشر هذه التقنية على امتداد العالم، من البرازيل إلى تايلاند. لكن مجموعة يوتني في كينيا جعلت الفكرة في السنوات القليلة الماضية تحظى بإقبال كبير في أثيوبيا وغانا وموزمبيق وبوركينافاسو وأرض الصومال وزيمبابوي. وتقول جمعية اكسلانت ديفلومنت إن نحو 120 سداً من ذلك النوع تم بناؤها في كينيا في السنوات القليلة الماضية.
ودعمت اللجنة المركزية لأتباع طائفة مينو سايمونز شقيقاتها من الجمعيات الأهلية في تنظيم التجمعات السكنية لبناء سدود الرمال. ويقول رون راتزلاف، ممثل مجلس الطائفة، إن أتباع الطائفة يساعدون في بناء سدود الرمل كجزء من عقيدة سلمية تسعى لـ«إزالة الأخطار التي تؤدي إلى الحرب والصراع، والمياه واحدة منها».
وأتباع الطائفة يعملون مع بنك الطعام الكندي الذي يشن حملة للتصدي للجوع حول العالم، وأيضاً مع البنك الإميركي للموارد الغذائية الذي يمول جهود المزارعين المحليين في مكافحة الجوع.
وقال راتزلاف: «الأمر لا يتعلق بسدود الرمل فحسب بل بما هو أكبر من ذلك. إنه يتعلق بالأشجار وزراعة منحدرات التلال والمحاصيل المقاومة للجفاف والمحافظة على الزراعة... إنه يتعلق بطائفة من الأمور التي تضاف إلى السلسلة القيمة المرتبطة بالمياه».
ويقول جيسي موجامبي المتخصص في علوم البيئة في جامعة نيروبي، إن بناء سدود الرمل من أكثر الوسائل الناجحة في إحياء الأراضي شبه القاحلة في أي مكان تجري فيه مياه المطر على الأرض محملة بالرمال.
وقال موجامبي في المؤتمر الدولي إن بناء السدود مصحوباً بزراعة منحدرات التلال وإعادة التشجير، يحافظ على الأراضي المجدبة في أقل من جيل. ثم أضاف: «الرمل يستطيع أن يحمل المياه ويخزنها وينقيها ويبردها ويحافظ عليها ويمنعها من التبخر».
فريدريك نزويلي
كاتب متخصص بالشؤون العلمية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»