الأربعاء، 23 مايو 2012

الصحافة العلمية والتكنولوجية لا تزال غير مفهومة لدى نسبة عالية من الجمهور


 جيسون بونتن لـ «الشرق الأوسط»:
 الصحافة العلمية والتكنولوجية لا تزال غير مفهومة لدى نسبة عالية من الجمهور
رئيس تحرير وناشر مجلة «تكنولوجي ريفيو» الأميركية: نقوم بمهمة غير عادية في تحديد التكنولوجيات الناشئة المهمة


صفات سلامة
 
مجلة «تكنولوجي ريفيو» (Technology Review) الأميركية التي تصدر عن معهد ماساشوستس للتكنولوجيا الشهير (MIT)، تعد من أقدم وأعرق المجلات العلمية العالمية المرموقة المختصة بنشر أحدث الابتكارات في التكنولوجيا وآثارها العالمية، فقد تأسست عام 1899، وهي موجهة للمختصين وعامة الجماهير والمهتمين بالتعرف على شؤون التكنولوجيا والابتكار الحادث في مختبرات البحوث والتطوير حول العالم.
وتنشر المجلة بـ5 لغات، وفي نسخة مطبوعة وإلكترونية، على مجموعة متنوعة من المنصات الرقمية، وتقدم الأخبار اليومية والتحليلات والرأي والفيديو على موقعها الإلكتروني، والتطبيقات العديدة للهاتف المحمول. «الشرق الأوسط» حاورت، عبر الهاتف من لندن، الكاتب والمحرر الصحافي الأميركي جيسون بونتن، رئيس تحرير وناشر مجلة «تكنولوجي ريفيو»، والذي يتولي الإشراف على جميع الأعمال التجارية الخاصة بنشرها، والتي تشمل الطبعات الدولية والموقع الإلكتروني على شبكة الإنترنت والنشرات الإخبارية الإلكترونية، كما أنه رئيس مجلس إدارة منتدى المشاريع التابع لمعهد (MIT) وفي ما يلي نص الحوار
 :
* ما الأسباب الرئيسية وراء تميز ونجاح مجلة «تكنولوجي ريفيو»؟

- نحن نقوم بمهمة غير عادية، تهم وتجذب اهتمام الغالبية العظمى من الناس، حيث نحدد التكنولوجيات الناشئة المهمة، ثم نقوم بشرح انعكاساتها وتأثيرها على المجتمع البشري.. أي أننا ننظر إلى عالم هذه التكنولوجيات الناشئة، وليس فقط مجرد تكنولوجيا المعلومات أو الطاقة، وعمل علاقات بينها، هذا إذا كنا نعتقد أن التكنولوجيا الجديدة مهمة لتاريخ البشرية، ولها تأثير خارجي على علاقاتنا مع بعضنا بعضا، وكيف تعمل اقتصادياتنا، وكيف نتواصل، وكيف نقود وندير العالم، وهذه أسئلة مهمة هنا. وتعتبر مجلة «تكنولوجي ريفيو» وبحق المطبوعة الوحيدة التي تنفرد بهذه المهمة المتميزة، ألا وهي التكنولوجيات الناشئة. هناك أسباب أخرى ساعدت في هذا النجاح والتميز، منها أننا نهتم بعنصر الدقة، حيث تتميز كتاباتنا بأسلوب دقيق وسهل الفهم على نطاق واسع، كما أن المجلة يمتلكها «معهد ماساشوستس للتكنولوجيا» (MIT)، الذي دائما ما يوفر قيادة مسؤولة وحكيمة. نحن نقوم بهذه المهمة منذ 112 عاما، لهذا فهي مهمة بين الحرص والاهتمام، وبين طريقة كتابتنا، وبين تراث وعمر «معهد ماساشوستس للتكنولوجيا». نحن نختلف عن أي مطبوعة أخرى على كوكب الأرض 
.
* برأيك.. ما هي استراتيجية المجلة العلمية الناجحة الموجهة لعامة الجمهور؟

- لا يوجد حاليا الكثير من المجلات العلمية الناجحة والتي تحظى بشعبية عالية، لكن من بين الأمثلة الناجحة مجلتا «تكنولوجي ريفيو» و«نيو ساينتست»، وإذا أردنا أن نضمن مجلات التكنولوجيا فهناك مجلة «وايرد»، وطبعا هناك المجلات العلمية مثل مجلتي «ساينس» و«نيتشر»، وهما الأكثر شهرة، وهذا يدل على أنه ليس هناك العديد من المجلات العلمية الناجحة الموجهة لعامة الجمهور حتى يمكنني الإشارة إليها، لكني أعتقد أن أهم ما تتشابه به هذه المجلات مع بعضها بعضا هو ما وصفت به مجلتنا آنفا، وهو الدقة والمعرفة التقنية والعلمية، وسهولة القراءة والفهم على مستوى القاعدة العريضة من الجمهور، وأيضا من بين المطبوعات التي تنشر مع مجلة «إيكونوميست» مجلة «تكنولوجيا ربع سنوية»، والتي أقدرها لحرصها على الجمع بين الدقة التقنية والعلمية وكونها مفهومة على نطاق عريض 
.
* ما هي الخصائص التي تتميز بها المواقع الإلكترونية العلمية والتكنولوجية الجيدة؟

- إن ما يميز المواقع الإلكترونية الناجحة لا يختلف كثيرا عما يميز المطبوعة الورقية، خاصة أن معظم المواقع الإلكترونية الأكثر نجاحا والتي تعنى بشؤون العلم والتكنولوجيا تنشر كل المواد التي تنشر في نسختها الورقية، لكن هناك أيضا العديد من المواقع الناجحة التي تفضل مواكبة الأخبار والأحداث العلمية والتكنولوجية، والاستثمار كثيرا في تغطيتها بالاستفادة من تقنيات الإنترنت، وبالتالي تلبي رغبة الجمهور في أن يكون لهم صوت ورأي وتوفير جو وروح المدونات على هذه المواقع. لهذا فعدد هذه المواقع يفوق بكثير عدد المجلات العلمية والتكنولوجية المطبوعة، ومنها على سبيل المثال «Oztechnika وTechcrunch وtechnologyreview» التي تتميز بصوت مسموع ورؤية وشخصية متفردة، وهذه من بين الخصائص الناشئة للصحافة العلمية والتكنولوجية في العصر الرقمي.

* النسخة الإلكترونية لمجلة «تكنولوجي ريفيو» متاحة بالعديد من اللغات، هل هناك خطة لإصدار نسخة ورقية باللغة العربية لمنطقة الشرق الأوسط في المستقبل القريب؟

- نعم هناك خطة، ونحن نعمل بالتعاون مع «معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا» في أبوظبي، والذي تم تطويره بالتعاون مع «معهد ماساشوستس للتكنولوجيا» (MIT)، على إصدار نسخة من «تكنولوجي ريفيو» في الشرق الأوسط، لا أعرف متى سيحدث هذا بالتحديد، ولكني آمل أن يتم ذلك في المستقبل القريب. لقد سافرت إلى أبوظبي أربع مرات العام الماضي بغرض المساعدة في العمل على نشر المطبوعة. الصعوبة في الشرق الأوسط، خاصة في دول الخليج رغم اقتصادها الذي لا يزال ناجحا للغاية مقارنة بالغرب، تكمن في أن الأفراد حريصون جدا في الاستثمار في المشاريع الجديدة. نحن نحتاج إلى قاعدة عمل تجاري قوية جدا قبل إصدار مجلة «تكنولوجي ريفيو» في الشرق الأوسط، فأنا أتطلع لإصدارها أولا باللغة الإنجليزية العام القادم، ثم باللغة العربية إذا أمكن ذلك.
* وهل تبحثون الآن عن فريق عمل أو كادر معين لمساعدتكم أو العمل معكم في مشروع المجلة في منطقة الشرق الأوسط؟

- نحن لم يسبق لنا أن نشرنا «تكنولوجي ريفيو» خارج الولايات المتحدة بأنفسنا، فدائما ما نبحث عن شريك محلي، ومعهد «إم آي تي» هو شريكنا هنا في الولايات المتحدة الأميركية. لقد اخترنا «معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا» في الشرق الأوسط، والذي يشبه كثيرا «إم آي تي»، وذلك لمساعدتنا في إصدار «تكنولوجي ريفيو»، لكن هناك تعهدات واسعة النطاق إلى حد ما. فمعهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا هو جامعة في الأساس، وحتى يمكننا إصدار «تكنولوجي ريفيو» في الشرق الأوسط فإننا نحتاج إلى التزامات وشراكات قوية مع المعلنين والمهتمين الرئيسيين بالتكنولوجيا في منطقة الشرق الأوسط، فنحن الآن نعمل على جمع المال الكافي والحصول على الدعم اللازم. أنا سأكون فخورا جدا بصدور العدد الأول من «تكنولوجي ريفيو ميدل إيست»، فالشيء المهم جدا الذي نحتاج إليه حقيقة ليس التمويل وإنما كتاب على درجة عالية من الكفاءة، لهذا فإننا نحتاج إلى مراسلين صحافيين في كل مدينة من المدن الكبرى في الوطن العربي، من دبي إلى القاهرة ومن الرياض إلى عمان، وإذا كان هناك من يريد أن يكتب لـ«تكنولوجي ريفيو» فعليه أن يتصل بي، لأنه في نهاية الأمر، الكُتاب هم رأس مال المجلة الحقيقي 
.
* لقد قلتم إنكم في البداية ستصدرون «تكنولوجي ريفيو» في الشرق الأوسط باللغة الإنجليزية، ألا ترون أن هذا سيؤدي إلى عزوف الكثير من الأفراد عن الاتصال بكم ويقلل من مستوى مقروئية المجلة بسبب حاجز اللغة؟

- أفهمك جيدا، لقد ناقشنا هذا الموضوع كثيرا، وتوصلنا إلى أن اللغة الإنجليزية ستيسر كثيرا في مهمة إنجاز المشروع، وأن معظم القراء في بادئ الأمر سيبدون راحة وتجاوبا مع اللغة الإنجليزية أكثر من اللغة العربية، كما أن غالبية القراء لديهم قدرة إلى حد ما على قراءة الإنجليزية والتحدث بها، فمثلا في دبي وأبوظبي وقطر نتوقع أن يكون العديد من قرائنا من العاملين في الجامعات وشركات التكنولوجيا. نحن إذن نود أن نصدر «تكنولوجي ريفيو» باللغة الإنجليزية في البداية، ونجرب ذلك لمدة عام واحد، ثم نتحول بعدها وبسرعة إذا أمكن إلى اللغة العربية. وأهم ما سيميز «تكنولوجي ريفيو» عن «ساينتيفك أميركان» وبوابة «نيتشر ميدل إيست» الإلكترونية، هو تركيزها الشامل على التكنولوجيات، كما أن جميع كتابنا لديهم خلفية قوية في هذا المجال، لكنهم أولا وقبل كل شيء كتاب وصحافيون قبل أن يصبحوا علماء، لهذا «تكنولوجي ريفيو» لن تكون مثل الدوريات المحكمة أو المتخصصة، وبهذا ستكون فريدة في نوعها في منطقة الشرق الأوسط 
.
* ما هي التحديات التي تواجه النشر الورقي والإلكتروني للمجلات العلمية والتكنولوجية الشعبية في العصر الرقمي؟

- هناك تحديات عميقة وكبيرة. النشر عموما يواجه أكبر تخبط وعدم استقرار له منذ فترة طويلة، ويمكن القول إن أكبر تخبط شهده هو أن 25 في المائة من الأشخاص الذين كانوا صحافيين في عام 2000 لم يعودوا يعملون كصحافيين، كما أن نماذج العمل التجاري التي كانت تدعم النشر أصبحت غير واضحة المعالم. الحقيقة أن شبكة الإنترنت أتاحت للقراء الحصول على المحتوي مجانا، كما ساعدت على تحسين كفاءة صناعة الإعلانات والتي كانت غير فعالة مما ساعد الناشرين في السابق، لهذا فمصدرا الدخل الرئيسيان، اللذان دعما النشر والاشتراكات والإعلان الورقي، إن لم يكونا قد تلاشيا فقد هبطا بشكل حاد، وفي الوقت نفسه الذي يحدث فيه هذا الهبوط لم يتضح هناك ظهور لأشكال بديلة من الدخل الرقمي سواء من الإعلانات أو الاشتراكات لكي تحل محلهما، إذن الذي سيدعم ويعزز مشاريع النشر في المستقبل غير واضح المعالم. يجب علينا أن نكون أنواعا مختلفة تماما من العمل التجاري، وهذا هو الشيء الوحيد الذي يعرفه الجميع 
.
* برأيك، كيف تتعامل وسائل الإعلام مع القضايا والموضوعات العلمية الحساسة؟

- حقيقة، رغم أن معظم الناس ليست لديهم معرفة علمية وتكنولوجية واسعة، فإن أخبار العلم والتكنولوجيا تعد من أهم القصص الخبرية في العلم. لا شك أن العلم والتكنولوجيا يقودان عجلة التغير في المجتمع أكثر من أي شيء آخر، حتى إن القصص الخبرية التي تعتبر أمورا سياسية على المستوى القومي يمكن رؤيتها على أنها موضوعات تخص التكنولوجيا إذا نظرنا إليها من خلال عدسات صحيحة. الربيع العربي مثلا والذي كتبنا عنه كثيرا، ما كان لنا أن نتصوره، على الأقل بالكيفية التي حدث بها قبل عشرين عاما من الآن. الثورة غير العادية والتي اجتاحت شمال أفريقيا لم تكن ممكنة إلا بفضل مجموعة متنوعة من التقنيات مثل الهواتف المحمولة والشبكات الاجتماعية وغيرها. إذن فرغم الأهمية القصوى لهذه القصص الخبرية، فإن عامة الناس لا يفهمونها بشكل واضح. إن الصحافة المختصة بشؤون العلم والتكنولوجيا تلعب دورا اجتماعيا حيويا في تبسيط وشرح القضايا العلمية المعقدة والصعبة، ومع هذا لا تزال غير مفهومة جيدا من قبل نسبة عالية من الجمهور. إذن الصحافة العلمية تقوم بدور المترجم. اللغة الطبيعية للعلم والعلماء والتكنولوجيين يغلب عليها الطابع التقني والحسابي، وأحد أدواري كصحافي علمي أن أقول إن هذه الأشياء قد حدثت وأنا فهمتها ودعوني أوضحها لكم 
.
* هل تعتقد أن النشر الإلكتروني للمجلات العلمية لعامة الجمهور قد أثر على إصداراتها المطبوعة؟

- بالطبع، المطبوعة الوحيدة التي لم تتأثر كثيرا بالثورة الرقمية هي الدوريات والمجلات العلمية المحكمة ذات تكاليف الاشتراك العالية. ويعتبر انهيار كل من عائدات الاشتراكات والإعلانات من بين الأمور التي قوضت النشر الورقي، لكن هذا لم يؤثر بعد على مطبوعات مثل «نيتشر» و«ساينس» و«سيل بيولوجي» (Cell Biology) وغيرها، لضمانها عائدات اشتراكات كبيرة جدا من الجامعات والمكتبات، فهذه الدوريات ذات نسبة اشتراك تتراوح بين ألف وألفي دولار، فالأفراد لا يمثلون الغالبية التي تشتري هذه المجلات بل الجامعات، كما أنها لم تأخذ إعلانات أيضا، لهذا لم تتأثر سلبا، فالناشر إن لم يضمن دخلا من أماكن مثل مكتبات هارفارد أو أن مجلته ليست من الدوريات المحكمة، فهو في مأزق. وهناك مؤشرات كثيرة على أن الدوريات المحكمة ستبدي نوعا من القلق، خاصة مع ظهور منظمات مثل تلك التي تسمى «المكتبة العامة للعلوم» (Public Library of Science - PLOS) التي تحاول أن تحل محل «نيتشر» و«ساينس» بمنصة مفتوحة مجانا للنشر العلمي، لهذا أعتقد أن الدوريات العلمية، سواء كانت متخصصة أو موجهه لعامة الجمهور، ستتأثر بالثورة الرقمية 
.
* برأيك ما هي أهم وأبرز التقنيات التي ستغير حياتنا في القرن الحادي والعشرين؟

- أعتقد أن أكبر تقنيتين تؤثران حاليا ومستقبلا على حياة الناس هما، أولا البيولوجيا الصناعية، حيث يمكن من خلالها بناء جينوم كامل وجديد يقوم بعمل أشياء جديدة ومثيرة، مثل الأدوية أو أنواع جديدة من الوقود أو من المحتمل أجهزة ميكرووية. واستخدام البيولوجيا لتصنيع مثل هذه الأشياء الجديدة طبعا يثير تحفظات منطقية من قبل بعض الأفراد في ما يتعلق بالقضايا الأخلاقية وسلامة الإنسان والبيئة. أما التغير الآخر في مجال تكنولوجيا المعلومات، والذي اجتاح العالم كله، رغم عمره الذي لا يتجاوز خمس أو ست سنوات، فهو ما نسميه بشكل فضفاض «الميديا» الاجتماعية، أي ظاهرة شركات «فيس بوك» و«تويتر». شبكات التواصل الاجتماعية هذه والتي لم يسبق لها نظير في تاريخ البشرية، أتاحت للأفراد والشعوب والدول فرصا عديدة للتواصل والمشاركة، وهذا في رأيي شيء عظيم، كما أشرت آنفا إلى أهمية دورها في جعل الربيع العربي حقيقة ممكنة. لكن على الجانب الآخر فقد هددت وأثرت كثيرا هذه «الميديا» الاجتماعية، على الخصوصية الفردية للكثير منا بطرق ما زلنا لا نفهمها بشكل تام 
.
* وماذا عن تقنية النانوتكنولوجي (التقنيات متناهية الصغر)؟

- تقنية النانو ليست قطاعا صناعيا بقدر ما هي فرع من علوم المواد، ومن المهم الآن أن نفهم ما الذي نريده من النانوتكنولوجي. النانوتكنولوجي، من منظور تقني جدا، والتي تتعامل مع المواد بمقياس النانومتر، انتشرت بشكل متزايد في الوقت الحالي، حيث توجد في أشياء متعددة ومختلفة كالملابس ومساحيق التجميل وبطاريات «ليثيوم أيون»، لكن ما زالت تقنية النانو علما من علوم المواد. نحن الآن ما زلنا بعيدين جدا عن أن تكون لدينا روبوتات ذاتية التجميع، أو حتى مواد ذاتية التجميع. وفي اعتقادي أن النانوتكنولوجي كأداة للتعامل مع المواد وجعلها أكثر قوة وفاعلية قد وصلت، لكننا بعيدون بعشرات السنين عن بعض التطبيقات التي وردت في أعمال الخيال العلمي مثل «العصر الماسي» لكاتب الخيال العلمي الأميركي نيل ستيفينسون 
.
* إذن، أنت من المعجبين بأدب الخيال العلمي؟

- أنا أحب الخيال العلمي، ونحن نصدر عددا في كل عام نسميه «تكنولوجي ريفيو ساينس فيكشن»، وننشر فيه أفضل أعمال الخيال العلمي لهذا العام، فكل فرد يقرأ «تكنولوجي ريفيو»، وكل شخص أصبح من التكنولوجيين، كانوا في البداية من عشاق الخيال العلمي، والجميع يشتركون في رغبة واحدة وهي حرصهم على تغيير العالم للأفضل 
.
* برأيك ما هي المهارات الواجب توافرها لدى الصحافي العلمي؟

- إنها لمهمة صعبة أن تكون صحافيا تهتم وتكتب عن شؤون العلم والتكنولوجيا، فالصحافة العلمية في رأيي تعد من أصعب أنواع الصحافة. ومن بين الخصائص التي يتميز بها الصحافي الذي يكتب عن العلم والتكنولوجيا الالتزام بالدقة والفهم الصحيح للموضوعات التي يكتب عنها وفي الوقت نفسه احترامها واحترام المبدعين والمخترعين والباحثين ونبذ أي خوف من العلم والتكنولوجيا أو من الباحثين وغيرهم، كما عليه أن يعرف أن لغة العلم والتكنولوجيا غالبا ما تتصف بالتقنية العالية، إن لم تكن مليئة بالمصطلحات. فالقصة الخبرية المعنية بالعلم والتكنولوجيا والمثالية من وجهة نظر الباحث أو العالم، هي القصة التي تنقل فكرته وبنفس اللغة التي يستخدمها، والتي يصعب على الكثيرين من عامة الجمهور فهمها، وهنا لا يقتصر دور الصحافي العلمي على تحري الدقة وحسب، وإنما يمتد إلى شجاعته في مواجهة العلماء والتكنولوجيين وغيرهم ممن يعملون في مجالات العلم والتكنولوجيا المختلفة، ويقول لهم «ماذا يعني هذا؟ وكيف يمكن أن أقول هذا بلغة واضحة وبسيطة، مستخدما القليل من المصطلحات التقنية والقليل من الرياضيات؟»، وطبعا هذه مهمة صعبة للغاية، حيث لا بد أن يلتزم بالدقة الشديدة وفي الوقت نفسه عليه أن يكون واثقا كل الثقة لأن يقول لشخص ما عمل في مجال تخصصه لمدة عشرين أو ثلاثين عاما «هذا في الحقيقة لا يعني لي أي شيء، وعلينا أن نعرضه ونقدمه بطريقة أخرى، علينا أن نقول هذا بطريقة ما يفهمها الشخص غير الذكي»، وهذه مهمة شاقة جدا 
.
* هل ترى أن بإمكان العالم أن يكون صحافيا علميا.. وما هي كيفية التعاون بين العلماء والصحافيين العلميين؟

- طبعا، وهناك أمثلة كثيرة، ولسبب ما معظمهم من الأطباء، يحضرني البروفسور شيروين نولاند الذي يعمل جراحا إكلينيكيا ومحاضرا بكلية الطب بجامعة ييل الأميركية، وتتميز كتاباته عن الشؤون الطبية بالدقة والوضوح وله كتاب رائع بعنوان «كيف نموت»، وفي مجال الفيزياء يوجد البروفسور آلان ليتمان، أستاذ الفيزياء في معهد «إم آي تي»، وتتميز مقالاته بالسلاسة والدقة، وهذه مهمة صعبة جدا لأن لغة الفيزياء جافة ومليئة بالأرقام. وبالنسبة للشطر الثاني من السؤال، أعتقد أنه مهم جدا أن يفهم ويحترم كلا الطرفين طبيعة عمل ودور كل منهما، وهذا في نظري تحد كبير. عندما يكتب العالم مقالة لدورية محكمة ما، فهو يقدم نتائج وبيانات ومعلومات وأرقاما مبنية على مشروع بحثي ما، وأسلوب شرح وتفنيد للمعلومات والنتائج للمتخصصين، وهذا يختلف كثيرا عن عرضه وشرحه لقاعدة كبيرة من الجمهور كما يفعل الصحافي العلمي. العالم يكتب لألف أو ألفين، بينما الصحافي العلمي الذي يكتب عن الموضوع نفسه لـ«تكنولوجي ريفيو» مثلا يكتب لأربعة ملايين من القراء، إذن كل من المقالتين تؤدي مهمة مختلفة: واحدة تعرض بيانات ونتائج والأخرى تترجم وتشرح هذه النتائج بأسلوب بسيط وشيق، وهذا يعني أنهما نوعان مختلفان من الكتابة. ولهذا فعلى كل من العالم والصحافي العلمي أن يفهم كل منهما ما الذي يريد أن يفعله الطرف الآخر، ثم يتعاون كل منهما مع الآخر بهدف ترجمة وتوضيح هذه النتائج للقاعدة العريضة من الجمهور، وهذا في نظري صعب جدا 
.
* برأيك، كيف يمكن تشجيع وحث الأجيال الناشئة على قراءة المجلات العلمية؟

- أشجعهم أولا على فهم أهمية دور المجلات العلمية، وأنصح قراءها بأن يتعرفوا جيدا على المجالات والتخصصات التي يميلون إليها بغرض تنمية معرفتهم، كما أنصح الصحافيين العلميين الناشئين بقراءة أحسن وأجود ما كتب حول الموضوعات التي يهتمون كثيرا بها، وعليهم التحلي بالبساطة في ما يقولون ويكتبون.

السبت، 19 مايو 2012

أزمة البحث العلمي في مصر!

أزمة البحث العلمي في مصر!

قراءة في برامج مرشحي الرئاسة من هذا المنظور

عمر الحياني - الجزيرة توك - القاهرة – خاص

 وسط توقعات متفائلة بزيادة ميزانية البحث العلمي في مصر عقب ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011، ينظر الباحثون المصريون إلى البرامج الانتخابية للمرشحين لرئاسة البلاد بعين حذرة جراء سنوات طويلة من المعاناة في طلب دعم البحوث العلمية في مراكز وجامعات مصر.
خلال العقود الماضية شهدت مصر تراجعاً في حجم الانفاق العلمي، فوفق مركز معلومات مجلس الوزراء المصري، تبلغ نسبة الإنفاق الحكومي على البحث العلمي 0,2% من إجمالي الناتج المحلي بعد ان كانت 0,4%عام 1999م ، في ظل غياب شبه تام للقطاع الخاص عن المشاركة في الإنفاق خلافاً لما يجري في كثير من الدول.

البحث العلمي بعد الثورة المصرية

عقب نجاح الثورة المصرية كان تعيين الدكتور أحمد زويل رئيسا للمدينة التي تحمل اسمة (مدينة زويل للعلوم) احدى تجليات الثورة التي اتت لتغيير واقع لطالما كان نضال وحلم شعب مصر.
وقد خصصا مليارا دولار لإنشاء مدينة زويل للعلوم وفقا لتصريح سابق للدكتور زويل في المؤتمر السابع للإعلاميين العلميين الذي انعقد في قطر عام 2011.
العالم المصري احمد زويل
وفي سياق تصريحه لـ"الجزيرة توك" يؤكد منسق التعاون الاوربي وبرنامج البحوث والتنمية والابتكار في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور عبد الحميد الزهيري أنه "بعد الثورة بدأ الشعب يدرك أن البحث العلمي مكون أساسي من مكونات حياته، وأنه احدى الدعائم الأساسية لدفع عجلة الانتاج ودفع الاقتصاد والنمو الاقتصادي والتنافسية للدولة".

البحث العلمي في برامج المرشحين

من شهداء ثورة 25 يناير
الآن وبعد الاطاحة بالرئيس محمد حسني مبارك ونجاح ثورة 25 يناير، يخوض غمار المنافسة على رئاسة مصر 13 مرشحا تحتوي برامجهم اختلافات شتى في التوجه السياسي والتنموي.
مجهر مصغر سوف نضع القارئ خلفه لينظر إلى مدى أولوية البحث العلمي في البرامج الانتخابية لبعض أبرز هؤلاء المرشحين.
يقول الباحث في المركز القومي للبحوث الدكتور باسم نبوي في حديث مع "الجزيرة توك": "تراوحت مكانة البحث العلمي في أجندات مرشحي الرئاسة ما بين وعود جادة تخاطب العقل والقلب وأخرى براقة أشبه بقلادات تعلق على الصدر بغرض التزين، فاشتد بريقها لدى البعض وسقطت من البعض الآخر" .
 برنامج المرشح الاسلامي المستقل عبد المنعم ابو الفتوح يتعهد زيادة دعم التعليم بـ 25 % من دون تخصيص بند واضح للبحث العلمي.
بينما يؤكد برنامج المرشح عمرو موسى، أمين عام جامعة الدول العربية سابقاً، زيادة مخصصات أنشطة البحث العلمي والابتكار من ٠٫٢٤ % من الناتج المحلي الإجمالي حالياً إلى ٢% بحلول ٢٠١٦، ويتعهد كذلك إعادة هيكلة الانفاق للتركيز على الأنشطة العلمية التطبيقية.
في المقابل، يحمل برنامج حزب الحرية والعدالة المنبثق عن جماعة الاخوان المسلمين تناقضاً مع برنامج مرشحه للانتخابات الرئاسية، حيث يؤكد الحزب في برنامجه الانتخابي ضرورة زيادة مخصصات البحث العلمي من الدخل القومي العام بصورة تدريجية لتصل إلى 2,5% بحلول 2016.
بينما يخصص برنامج مرشح الحزب محمد مرسي، وعنوانه "مشروع النهضة"، زاوية سميت "ملفات خاصة " من ضمنها دعم البحث العلمي، من دون أي تفصيل.
مرشحي الرئاسة المصرية 
وهذا هو طرح المرشح اليساري حمدين صباحي ذاته في برنامجه الانتخابي الذي اكتفى بإعادة ترتيب أولويات الموازنة العامة للدولة بحيث يتصدرها الإنفاق على التعليم والصحة والبحث العلمي.
هل رفع نسبة البحث العلمي من الناتج القومي الي 2 % او 2،5% تدريجيا أو بحلول 2016 في البرامج الانتخابية للمرشحين يعد مجديا؟ اذا كانت "إسرائيل" بمواردها المحدودة تخصص 2,5% من ناتجها القومي للبحث العلمي فأين دعم البحث العلمي الحقيقي إذا كان المتوسط العالمي يبلغ 1.2٪ من الناتج الاجمالي.

لماذا تراجع البحث العلمي في مصر؟

 تراجع مركز مصر العلمي في مؤشر جودة مراكز البحث العلمي عام خلال عامي 2010- 2011 لتحتل المرتبة 112 من بين 142 دولة على مستوى العالم بعد أن كانت تحتل المركز 110 من بين 139 دولة خلال عام 2009 – 2010, وفقا للتقرير الصادر عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ المصري يعد مؤشرا خطيرا، على الرغم من توفر الكوادر العلمية في مصر مقارنة بدول الشرق الاوسط ، وامتلاكها حوالي 40 مركزا للبحث العلمي.
دكتور عبد الحميد الزهيري
يبرز الزهيري أسباب تراجع البحث العلمي في مصر بقولة "ضآلة الاعتمادات المالية المخصصة للبحوث العلمية، ووجود هوة واسعة بين الباحثين والمنتجين ومراكز البحث تعد أبرزها".
ويضيف "ان مشكلة عدم وجود تشريعات قانونية تنظم العلاقة بين اطراف العلمية البحثية (مراكز البحث – القطاع الصناعي – الباحثين )، وغياب الحافز المادي للباحثين، بالإضافة عدم وجود سياسات ومنهجيات واضحة لدى صانعي القرار في دعم البحث العلمي ودمج ذلك بالتفاعل المجتمعي".
ولنعد مرة اخرى للبرنامج الانتخابي لأبو الفتوح وتأكيده "أن وضع البحث العلمي ليس جزء من سياسات التعليم، ولكن كجزء من سياسات الامن القومي، وبما يجعل قطاع البحث العلمي جزء أساسي للإنتاج الاقتصادي والاستثمار الاجتماعي".

إضافة الي تنويه برنامجه إلي دعم بحوث الطاقة والزراعة ورفع التعاون المستقبلي مع دول الجنوب كإيران والصين والبرازيل واليابان.
هذا برنامج أبو الفتوح في دعم البحث العلمي كاملا ، فهل يعد مقبولا ويفي بالطلب، مدير ادارة المعلومات والاتصال ببرنامج البحوث والتنمية والابتكار بوزارة البحث العلمي في مصر ريم عوض تقول "إن برامج المرشحين لدعم البحث العلمي تكاد تكون معدومة إلا ما ندر".
وهو ما ذهب إليه الزهيري بقوله: "برامج المرشحين تفتقر للدعم الصريح لبرامج البحث العلمي.. انها مجرد حيز صغير في البرامج الانتخابية، على الرغم من تأكيداتهم المتكررة ان البحث العلمي له الأولوية".
ولعل برنامج عمرو موسى كان أكثر وضوحا في تضمين برنامجه الانتخابي جزئية مهمة من خلال تأكيده إن البحث العلمي وتطبيقاته هو أحد أهم وسائل تعظيم إنتاجية وتنافسية الاقتصاد وقطاعاته، وخلق صناعات ومنتجات وخدمات جديدة تساهم في ايجاد فرص العمل، وتزيد فرص مصر في حجز مكان لائق على خريطة العلم والتكنولوجيا العالمية.
فوفقا للدكتور الزهيري "ان الدول الغربية تعرف ان امتصاص البطالة وخلق فرص عمل حقيقة يتم من خلال البحوث العلمية والابتكارات المميزة، وهو ما نفتقر إليه في مصر".

 وفي ظاهرتين مختلفتين لمرشحي الرئاسة، يظهر أحمد شفيق بدون برنامج انتخابي بالرغم من بدء الحملة الانتخابية، وهو المرشح الوحيد الذي لا يحمل أي برامج انتخابية حتى الآن!، أما المرشح محمد سليم العوا فقد بنى برنامجه الانتخابي على 6 محاور و قدمه في صورة حلقات فيديو، تطرق المرشح للبحث العلمي في محور الاقتصاد عن طريق "دعم مشروعات الطاقة الشمسية وتحلية المياه والتعاون مع الدول المتقدمة" بينما أغفل كافة مجالات البحث العلمي الأخرى.
"قدم البعض برامج انتخابية حرفية ومتوازنة بينما استفاض البعض الاخر بشدة وعمد الي مغازلة البحث العلمي كوجاهة اجتماعية وفي الجانب الاخر يظهر بعض المرشحين وقد تناسى دور البحث العلمي في خدمة المجتمع " هكذا يقول الباحث باسم نبوي.

البحث العلمي طريق الخروج من عنق زجاجة الركود


دخلت فنلندا خلال العقدين الماضيين في ركود اقتصادي مرتين، إحداهما في الثمانيات من القرن الماضي والأخرى خلال العقد الاول من القرن الواحد والعشرين، وقد قامت بتخفيض الدعم الصحي والضمان الاجتماعي والمعاشات وبنود أخرى لكنها سعت الي زيادة الدعم المالي للبحث العلمي لأنه الطريق الأسلم للخروج من الازمة الاقتصادية والركود.
هذا مثال يوضح أهمية زيادة الانفاق على البحوث العلمية التطبيقية، للخروج من الازمات الاقتصادية وزيادة المنافسة الانتاجية وتحقيق نمو اقتصادي مستمر.

الإنفاق على البحوث العلمية لا يحتاج زيادة في التمويل فقط بل الي خطط واستراتيجيات طويلة الامد وقصيرة الامد حتى نصل الي تنمية شاملة ونمو مستدام.
"إن التنمية السريعة رفاهية لا يقدر عليها قطاع التعليم والبحث العلمي، هذه التنمية السريعة في يد وزارة الصناعة، البحث العلمي يحتاج الي نفس طويل، وخطط طويلة وقصيرة المدى وعلى عدة محاور"، وفقا للزهيري.
وفي الرؤية المستقبلية لوزارة البحث العلمي يؤكد الزهيري "انه منذ عام 2007 سعت وزارة البحث العلمي إلى دعم خطط وبرامج التخاطب العلمي والتعليم العلمي خارج المحتوى الدراسي، وإشراك المجتمع في التوعية العلمية وترسيخ الشغف بالعلوم لدى الشباب والأطفال وإشراكهم في رسم السياسة العلمية للمجتمع في مصر " .