الخميس، 30 سبتمبر 2021

كيف فقد البشر ذيولهم

 كيف فقد البشر ذيولهم

 كارل زيمر – نيويوريك تايمز

 تشير دراسة جديدة إلى أن طفرة جينية واحدة تساعد في تفسير سبب وجود ذيول للقرود ، في حين أن قردة الشمبانزي والبشر لا يمتلكون ذيلًا.

   

قال فريق من العلماء إنهم حددوا الطفرة الجينية التي ربما تكون قد محيت ذيولنا قبل 20 مليون سنة.

  لمدة نصف مليار سنة أو نحو ذلك ، نبت أسلافنا ذيول. وكسمك ، استخدموا ذيولهم للسباحة عبر البحار الكمبري. بعد ذلك بوقت طويل ، عندما تطورت إلى الرئيسيات ، ساعدتها ذيولها على البقاء متوازنة أثناء تسابقها من فرع إلى فرع عبر أدغال الإيوسين. ولكن بعد ذلك ، منذ ما يقرب من 25 مليون سنة ، اختفت ذيولها.

 

أدرك تشارلز داروين هذا التغيير لأول مرة في تشريحنا القديم. لكن كيف ولماذا حدث ذلك ظل لغزا.

 

الآن يقول فريق من العلماء في نيويورك إنهم حددوا بدقة الطفرة الجينية التي ربما تكون قد محيت ذيولنا. عندما أجرى العلماء هذا التعديل الجيني على الفئران ، لم تنمو ذيول الحيوانات ، وفقًا لدراسة جديدة نُشرت على الإنترنت الأسبوع الماضي.

 

كان لهذا التغيير التشريحي الدراماتيكي تأثير عميق على تطورنا. تطورت عضلات ذيل أسلافنا إلى شبكة تشبه الأرجوحة عبر الحوض. عندما وقف أسلاف البشر وساروا على قدمين قبل بضعة ملايين من السنين ، كانت تلك الأرجوحة العضلية جاهزة لتحمل وزن الأعضاء المنتصبة.

 

 

على الرغم من أنه من المستحيل إثبات أن هذه الطفرة قطعت ذيل أسلافنا بشكل قاطع ، "إنها قريبة من مسدس دخان كما يمكن للمرء أن يأمل" ، كما قال سيدريك فيسكوت ، عالم الوراثة في كورنيل الذي لم يشارك في الدراسة.

 

صدم داروين جمهوره في العصر الفيكتوري بالادعاء بأننا نحدر من الرئيسيات ذات الذيل. وأشار إلى أنه بينما يفتقر البشر والقرود إلى ذيل مرئي ، فإنهم يتشاركون في مجموعة صغيرة من الفقرات التي تمتد إلى ما وراء الحوض - وهي بنية تعرف باسم العصعص.

 

"لا أستطيع شك في أنه هو ذيل بدائية"، كما كتب .

 

منذ ذلك الحين ، اكتشف علماء الأنثروبولوجيا القديمة الحفريات التي تلقي بعض الضوء على هذا التحول. أقدم الرئيسيات المعروفة ، التي يعود تاريخها إلى 66 مليون سنة ، كانت لها ذيول كاملة من المحتمل أنها استخدمتها للحفاظ على توازنها في الأشجار. اليوم ، لا تزال معظم الرئيسيات الحية ، مثل الليمور وجميع القرود تقريبًا ، لديها ذيول. ولكن عندما ظهرت القردة في السجل الأحفوري ، منذ حوالي 20 مليون سنة ، لم يكن لديها ذيل على الإطلاق.

 

"هذا السؤال - أين ذيلي؟ قال بو شيا ، طالب دراسات عليا في بيولوجيا الخلايا الجذعية في كلية غروسمان للطب بجامعة نيويورك ، "- كان في رأسي منذ أن كنت طفلاً.

 

رحلة سيئة مع أوبر في عام 2019 ، حيث أصاب السيد شيا العصعص ، أعادته إلى ذهنه بإلحاح جديد. قال: "لقد استغرق الأمر عامًا حتى أتعافى ، وقد حفزني ذلك حقًا على التفكير في عظم الذنب".

لفهم كيف فقدت القردة والبشر ذيلهم ، نظر السيد شيا في كيفية تشكل الذيل في الحيوانات الأخرى. في المراحل المبكرة من تطور الجنين ، يتم تشغيل مجموعة من الجينات الرئيسية ، وتنظم أجزاء مختلفة من العمود الفقري لتطوير هويات مميزة ، مثل الرقبة والمنطقة القطنية. في النهاية البعيدة للجنين ، يظهر برعم الذيل ، تتطور داخله سلسلة خاصة من الفقرات والعضلات والأعصاب.

 

 

معظم الرئيسيات الحية ، مثل الليمور وجميع القرود تقريبًا ، بما في ذلك قرد العنكبوت Geoffroy ، في الصورة ، لا تزال لديها ذيول.

معظم الرئيسيات الحية ، مثل الليمور وتقريبا جميع القرود ، بما في ذلك قرد العنكبوت Geoffroy ، في الصورة ، لا تزال لديها ذيول.تنسب إليه...نيك فوكس / العلمي

حدد الباحثون أكثر من 30 جينة تشارك في تطوير ذيول الأنواع المختلفة ، من سوط الإغوانا الطويل إلى كعب قطة مانكس. كل هذه الجينات نشطة في أجزاء أخرى من الجنين النامي أيضًا. لا يزال العلماء يتعلمون كيف يؤدي نشاطهم الفريد في نهاية الجنين إلى ظهور الذيل.

 

استنتج السيد شيا أن أسلافنا فقدوا ذيلهم عندما غيّرت الطفرات واحدًا أو أكثر من هذه الجينات. للبحث عن هذه الطفرات ، قارن الحمض النووي لستة أنواع من القردة عديمة الذيل بتسعة أنواع من القرود الذيل. في النهاية ، اكتشف طفرة مشتركة بين القردة والبشر - لكنها مفقودة في القرود - في جين يسمى TBXT.

 

كان TBXT أحد الجينات الأولى التي اكتشفها العلماء منذ ما يقرب من قرن من الزمان. في ذلك الوقت ، بحث العديد من الباحثين عن الجينات عن طريق دفع الحيوانات أو النباتات أو الميكروبات بالأشعة السينية ، على أمل أن تحدث الطفرات تغييرًا مرئيًا.

 

في عام 1923 ، قامت عالمة الوراثة الروسية ناديجدا دوبروفولسكايا-زافادسكايا بتصوير الفئران الذكور بالأشعة السينية ثم سمحت لهم بالتكاثر. ووجدت أن عددًا قليلاً منهم قد اكتسب طفرة تسببت في نمو ذيول متعرجة أو تقصير لبعض أحفادهم. كشفت التجارب اللاحقة أن الطفرة كانت على جين TBXT.

 

الطفرة التي اكتشفها السيد شيا لم يتم ملاحظتها من قبل. كان يتألف من 300 حرف وراثي في ​​منتصف جين TBXT. كان هذا الامتداد من الحمض النووي متطابقًا تقريبًا في البشر والقردة ، وتم إدخاله في نفس المكان بالضبط في جينوماتهم.

 

 

جلب السيد شيا النتيجة إلى المشرفين عليه ، إيتاي ياناي وجيف بويكي ، ليروا رأيهم. يتذكر الدكتور ياناي: "كدت أن أسقط من على كرسي ، لأنها نتيجة مذهلة".

 

لاختبار فكرة أن الطفرة كانت متورطة في اختفاء ذيلنا ، قام السيد شيا وزملاؤه بإجراء هندسة وراثية للفئران مع طفرة TBXT التي يحملها البشر. عندما تطورت هذه الأجنة ، فشل العديد من الحيوانات في تطوير ذيل. نما البعض الآخر لفترة قصيرة فقط.

 

يقترح السيد شيا وزملاؤه أن هذه الطفرة أصابت قردًا بشكل عشوائي منذ حوالي 20 مليون سنة ، مما تسبب في نموه فقط جذعًا من الذيل ، أو لا ينمو على الإطلاق. ومع ذلك ، نجا الحيوان الأقل ذيلًا وحتى ازدهر ، ونقل الطفرة إلى نسله. في النهاية ، أصبح الشكل المتحور لـ TBXT هو القاعدة في القردة الحية والبشر.

 

قال العلماء إن طفرة TBXT ليست السبب الوحيد لنمو العصعص بدلاً من الذيل. بينما أنتجت الفئران في تجاربهم مجموعة من ذيول متغيرة ، فإن العصعص لدينا دائمًا ما يكون متطابقًا من شخص لآخر. يجب أن تكون هناك جينات أخرى تحورت فيما بعد ، مما يساعد على إنتاج تشريح موحد.

 

حتى لو بدأ علماء الوراثة في شرح كيفية اختفاء ذيلنا ، فإن السؤال عن سبب اختفاء ذيلنا لا يزال يحير العلماء.

 

كانت القردة الأولى أكبر من القردة ، وكان من الممكن أن يسهّل حجمها المتزايد سقوط الفروع ، ومن المرجح أن تكون هذه السقوط قاتلة. من الصعب شرح سبب عدم تعرض القردة التي ليس لها ذيول لمساعدتها على التوازن لضرر تطوري كبير.

 

وقد يؤدي فقدان الذيل إلى مخاطر أخرى أيضًا. وجد السيد شيا وزملاؤه أن طفرة TBXT لا تقصر الذيل فحسب ، بل تسبب أحيانًا أيضًا عيوبًا في الحبل الشوكي. ومع ذلك ، بطريقة ما ، أثبت فقدان الذيل ميزة تطورية كبرى.

 

قالت غابرييل روسو ، عالمة التشكل التطوري في جامعة ستوني بروك في نيويورك والتي لم تشارك في الدراسة: "إنه أمر محير للغاية لماذا فقدوا ذيلهم". "هذا هو السؤال المعلق التالي: ماذا ستكون الميزة على الأرض؟"

 

يكتب كارل زيمر عمود "المادة" . وهو مؤلف لأربعة عشر كتابًا ، بما في ذلك " حافة الحياة

ترجمة جوجل

 المصدر : نيويورك تايمز 

الثلاثاء، 15 يونيو 2021

الحرب في اليمن، تدمر الغطاء النباتي!

الحرب في اليمن، تدمر الغطاء النباتي!

60% من الغطاء النباتي - في اليمن، خلال سنوات الحرب الدائرة هناك–تعرض: للتدمير،أو الاقتلاع..

تناوير لحم المندي،تحرق الغطاء النباتي لليمن!

التنوع الحيوي لليمن، مهدد بسنوات الحرب الطويلة!

 عمر الحيـــاني*

اضطررت لاستخدام الأخشاب لطهو الطعام؛ بعد أن عجزنا عن شراء الغاز، بسبب انقطاع أعمالنا بفعل الحرب"،يقول اليمني محمد الشرس، وهو واحد من اليمنيين الذين دفعتهم الأوضاع الاقتصادية الصعبة لأدوات تقليدية، تعكس من الجانب الآخر ظاهرة خطيرة، تتمثل بتدمير ما يقرب 60% من الغطاء النباتي، منذ ما يربو عن ست سنوات.

(الشرس : والبالغ من العمر 50 عاما ولديه 6 أطفال ، يسكن في منزل بالإيجار، في العاصمة صنعاء التي شاهد السكان فيها ظواهر للمرة الأولى منذ عقود، مثل استخدام "الحطب"، الذي بُيع في بعض الأحيان، كبديل عن غاز الطهي.

الشرس الذي يستخدم فناء المنزل للطبخ  يواصل حديثة بقوله : دفعتنا الحرب إلى جمع الحطب- من أماكن مختلفة - بعد ارتفاع أسعار الحطب بشكل كبير، وارتفاع أسعار الغاز، و انعدامه أغلب الأوقات..

معدلات تنذر بالخطر

على هامش الأوضاع الإنسانية والاقتصادية الصعبة للغالبية من السكان، (نحو 80% من السكان، أي 24 مليون شخص، يحتاجون إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية والحماية )، ارتفعت وتيرة إزالة الغابات، والأحراش الحراجية،وتدهورها..بمعدلات تنذر بالخطر؛ ما يسهم - بدرجة كبيرة - في الفقدان المستمر للتنوع البيولوجي لليمن:فالنباتات الطبية، والتنوع الحيوي.. سيختفيان من تلك المناطق، التي يتم قطع أشجارها.. ولن تجد الحيوانات البرية، ولا الطيور موائلها؛ ما يضطرها: لمغادرة المكان،أو قد تموت..بعد تحول  الغابات والأحراش.. إلى صحراء  قاحلة..

ويعد الاحتطاب (الجائر) من أخطر العمليات المؤدية إلى تدهور الغابات و الأحراش.. وهو أسلوب (مدمّر) للبيئة، ستدفع الأجيال القادمة ثمنه باهظا له: على المدى القريب أو حتى البعيد؛ذلك أن التعرية  الهوائية للتربة، تتسبب في انخفاض كمية المياه - التي تغذي الأحواض المائية - وينابيع المياه، التي يعتمد عليها السكان.. بالإضافة إلى  خطورة حدوث فيضانات، وسيول جارفة.. تعمل على إزالة الغطاء النباتي، وجَرْف التربة، والتنوع البيولوجي.. مسببة خسائر بيئة واقتصادية هائلة..

(الدكتور عبد الله الهندي: مدير عام صون الطبيعة: بوزارة المياه والبيئة: بالحكومة الشرعية بمدينة عدن) يقول: يؤدي قطع الأشجار (بكثافة)إلى إيجاد خلل في التوازن البيئي، ويعمل على ارتفاع معدلات درجات حرارة الجو، وزيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون في طبقات الجو، ويعمل على التقليل من التنوع الحيوي..ما يسهم في زيادة  نسبة الأراضي القاحلة (وشبة القاحلة) وزيادة نسبة التصحر..

لقد أدت الحرب الدائرة والمستمرة في البلاد، إلى قطّع ملايين، من أشجار: الغابات و الأحراش  والحدائق.. وتضررت التربة كثيرا جراء ذلك..لكن الدكتور الهندي، متفائل مع بداية  التغيرات المناخية، التي بدأت تأثيراتها في العام الماضي؛فإن الأمطار الغزيرة - التي بدأت تتساقط على اليمن، بفعل التغيرات المناخية - ساعدت على  الإنبات، وازدهار الغطاء النباتي.. في مناطق شاسعة من اليمن..

ويواصل الدكتور الهندي: نسبة الغطاء النباتي في ارتفاع، على الرغم من حدوث تدمير له في مناطق كثيرة في اليمن؛ بسبب الزيادة المستمرة: في أسعار الغاز، والمشتقات النفطية..

 

المدن، تعود للحطب:

دفعت الحرب في اليمن، سكان المدن إلى إعادة استخدام الخشب: كوقود للطهو المنزلي.. بعد إن كانت المدن - منذ عقود -قد اتجهت نحو استخدام الغاز المنزلي للطهو.. لكن: الانقطاع المتكرر لمادة الغاز، والحصار، وارتفاع أسعار المشتقات النفطية..كل هذه دفعت كثيرًا من المواطنين لاستخدام الأخشاب؛ كوقود للطهو ..

وقد شكلت الحرب،وارتفاع أسعار الغاز المنزلي- وانعدامه أحيانًا - دافعًا رئيسيًّا لـ(سكان المدن)لعودتهم إلى الطريقة (التقليدية) في استخدام الحطب كوقود للطهي.. وقد شكل هذا ضغوطًا قويةً على الغطاء النباتي، وعلى أشجار الزينة: في الشوارع،  والحدائق، والمتنفسات العامة.. وحتى استخدام أخشاب البناء..

 

الأخشاب، وقود الريف:

وعلى الرغم أن الوقود الخشبي هو وقود الطهو (السائد) - الذي تستعمله كثير من الأسرالريفية، في اليمن، والتي تشكل 75% من سكان اليمن - فإن عودة نسبة من  سكان الأرياف، نحو استخدام الأشجار في الطهو -نظرا لانعدم  مادة الغاز المنزلي،أو ارتفاع الأسعار.. شكل حافزا، نحو قطع الأشجار بشكل كبير..

ويعد وقود الخشب، مصدرًا أساسيًّا للطاقة للمساكن الريفية في اليمن؛ حيث يوجد عجز في توفير الكهرباء، ومنتجات الوقود، و يعتمد السكان - بدرجة عالية - على وقود الخشب.. ويقدر حجم استهلاك وقود الخشب في اليمن  بـ (ثلاثة ملايين ومئتين وأربعين ألف طُنّ) من الخشب الجاف سنويًّا منها: مليونان وثمانمئة وسبعة آلاف طن تستخدم الحطب كوقود، و  مئتان وستون ألف طن (فحم نباتي) لأغراض تجارية، و مئة وثلاثة وسبعون ألف طن (فحم نباتي) للاستخدام المنزلي.. وذلك حسب (تقرير الإستراتيجية الوطنية للتنوع الحيوي والخطة التنفيذية للجمهورية اليمنية 2004 ، الصادرة عن  وزارة  المياه والبيئة)

(آمنة حسين: ربة بيت: من إحدى قرى محافظة إب ) تقول: لم يعد يأتينا الغاز المنزلي؛ لذا عدنا إلى: قطع الأشجار، وتجفيفها، واستخدامها في الطبخ..

لحم المندي، متهمٌ أيضا:

تُعَد (طباخة  لحم المندي) من الطباخات (اليمنية) المشهورة، التي عليها إقبال شعبي كبير.. وتحتاج إلى نوعيات معينة من أخشاب السَّمُر والسِّدْر؛ حتى تحافظ على مذاقها، وطعهما المميز..

ورغم أنها وجبة (مفضلة لكثير من اليمنيين) فإنها تعد أحد المسببات الرئيسية لقطع الأشجار في اليمن؛ حيث تنشر مطابخ المندي في جميع المدن اليمنية..

وتتطلب طباخة المندي،كمياتٍ كبيرةً من  الحطب (ذي نوعية خاصة من أشجار السدر والسمر)فمثلا: أحد المطاعم الرئيسية(مطاعم  ر. س) في صنعاء يستهلك لطباخة المندي حوالي (50 حمولة سنويًّا)يصل وزن كل حمولة إلى (طُنٍّ كامل)أي بما يعادل (خمسين طنًّا) من الأخشاب سنويا ..

ويقول الهندي: الإقبال على قطع الأشجار - مثل السدر (والسمر: الطلح) يشكل النسبة الأكبر من عملية التحطيب في اليمن..

عسل النحل، ضحية قطع أشجار السدر:

لم يكن عسل النحل بعيدًا عن الحرب؛ فقد كان لقطع أشجار السدر والسمر..تأثير بالغٌ - على مزارعي النحل - جراء التسابق المحموم،على قطع أشجار السدر والسمر.. التي ازدهرت تجارتها مع الحرب .

ويُعد عسل النحل - المكون من رحيق أشجار السدر - هو الأشهر في اليمن، وله شهره عالمية.. وتعد أزهار السدر هي الغذاء الرئيسي للنحل - في كثير من المناطق - فيما تأتي أزهار السمر، في المرتبة الثانية ..

وتسبب عملية الاحتطاب (الجائر) لأشجار السدر، تدميرًا للبيئة، وللنشاط الاقتصادي لمربي النحل.. إذ أسهم قطع أشجار السدر، في انخفاض كمية العسل، المنتج من خلايا النحل..

(محمد الحداد: يعمل مربيًا للنحل) يقول: منذ بداية الحرب، حدث إقبال كبير على قطع أشجار السدر: في الوديان، وعلى مجاري السيول.. وهذا  أثر كثيرا وبقوة وشدة.. على خلايا النحل، وأدى لفقداننا لنسبة كبيرة من كميات العسل، التي كنا نحصل عليها..

( المدير التنفيذي لمؤسسة الحياة البرية المهددة: وأستاذ علوم الحياة بجامعة اب: الدكتور محمد الدعيس) تعد  أشجار السمر ومجموعة (زهور الأكاسيا) كاملة، مصدرًا هامًّا لخلايا النحل، بالإضافة إلى أشجار السدر؛ فهي أشجار، تزهر سريعا، وتعد مصدرا هاما لغذاء النحل..

وكانت وزارة الزراعة والري،قد قدرت إنتاج اليمن (من العسل) بما يقارب (2.5 مليون مليونين ونصف المليون كيلو جرام)ووصل عدد الخلايا، إلى أكثر من مليون و 200 ومئتي ألف خلية..

يقول الهندي (الهيئة العامة لحماية البيئة) لديها مشروع (قيد الدراسة) لإكثار أشجار السدر في اليمن؛ بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة للأمم المتحدة..

أشجار المانجو،وقودٌ للطبخ:

مزارع المانجو، هي الأخرى تدفع الثمن أيضا؛ فقد طالتها الحرب - المستمرة منذ ست سنوات - محولة مساحات شاسعة منها،إلى أراضٍ جرداء، بعد تعرض تلك المزارع للقصف من قبل التحالف العربي، أو بفعل المعارك الدائرة في خطوط المواجهة: على طول  مزارع (سهل تهامة ودلتا تبن وأبين)أو بفعل الحصار الخانق، الذي تسبب في صعوبة وصول المشتقات النفطية -إلى المزارعين - ما دفعهم إلى هجرة تلك المزارع؛ لتتحول إلى أخشاب للاحتطاب..

الانفجارات والقذائف والصواريخ - التي تمطر مزارع المانجو،بالإضافة  إلى زراعة الألغام في مناطق التماس -تسببت في حرق مساحات شاسعة من تلك المزارع، مسببة خسائر فادحة..

(ا ، ن: يعمل في برنامج نزع الألغام: التابع للأمم المتحدة)  في تصريح خاص يقول:  مزارع المانجو - في  سهل تهامة - تحولت إلى ركام من الأشجار المدمرة، وعلى أثرها، قام المزارعون بقطع المانجو، وبيعها (كأخشاب) للاستخدام كوقود منزلي في الطهي..

يواصل حديثة قائلا: التحالف يقصف  تلك المزارع  بصواريخ: تعمل على إحراق المزارع، وتحويلها إلى أرض جرداء.. بينما تعمل قوات الحوثيين: على زراعة الألغام داخل المزارع؛ منعا لوصول قوات الجيش، التابعة للحكومة اليمنية..

في دراسة صادرة عن (مركز حرمون للدراسات المعاصرة) حول ( تاثير الحرب في البيئة السورية: أعدها الباحث ارم الحكيم 2019) يقول: تسبب الانفجار - التي تفوق درجة حرارتها 2000 - احتراق التربة: أي تبخر وتحلل المواد العضوية الموجودة فيها؛ مما يفقدها خصوبتها، وينهي التنوع الحيوي فيها: بعد موت ما تحتويه من: بكتيريا نافعة،وحيوانا ت دقيقة..تساعد في تكوين التربة ونمو النبات..

ووفق الدراسة "تغير القذائف الخواص الفيزيائية للتربة، إضافة إلى التلوث الكيميائي الذي تسببه.. يضاف إلى ذلك، التلوث بشظايا القذائف،والمواد المتفجرة،والمعادن الثقيلة.. التي تحتويها:كالرصاص،والنحاس،والأنتيمون، والتنجستين، والزئبق، والمواد المتفجرة.. وثمة احتمال: أن تؤثر هذه المواد الضارة على الغطاء النباتي الموجود، أو عن طريق تغيير كيمياء التربة..

وتشير(الهيئة العامة للتنمية الزراعية والريفية) إلى أن عدد أشجار المانجو (المزروعة في اليمن)يقدر بحوالي (2 مليون و17 ألف شجرة، منها 30% أشجار غير مثمرة، تزرع على مساحة تقدر بحوالي 25,015 ألف هكتار..

 قبل الحرب الراهنة، كانت اليمن تنتج حوالي 400 ألف طن (في السنة) من المانجو.. لكن - وبفعل قصف المزارع، وانعدام المشتقات النفطية - انخفض الإنتاج الزراعي إلى حوالى290,793  ألف طن سنويا، وفقًا لـ (مركز الإحصاء الزراعي:بوزارة الزراعة) في اليمن للعام 2018..

 في حين انخفضت مساحة الأراضي المزروعة بفاكهة المانجو - في اليمن - لحوالي 22,561 هكتار  خلال  عام 2018، بعد أن كانت المساحة المزروعة - في عام 2014 - حوالي 25,015هكتار..

 

نار المخابز،تدمر الأشجار:

أخشاب السدر في إحدى  المخابز الشعبية بصنعاء
أخشاب السدر في إحدى  المخابز الشعبية بصنعاء
المخابز والأفران هي كذلك، تحولت إلى استخدام الحطب -عوضا عن الكيروسين والغاز - ما سبب زيادة في الطلب على الحطب، وتوسع تجارته..

تقسيم الأراضي حسب الاستخدام المصدر وزارة الزراعة  والري 

التقرير السنوي 2019

بدأ تدهور واختفاء مواطن و حضانة كثير من: الثدييات والزواحف والطيور.. التي كانت تقطن - أو تأوي - إلى المناطق التي تم حصد أشجارها.. وفضلا عن تلك المشاكل المدمرة للبيئة، تؤدي عملية قطع الأشجار إلى فقدان مساحات  كبيرة من الغطاء الأخضر.. الذي كانت تعمل على تنظيف الغلاف الجوي - من ثاني أكسيد الكربون - كما إن حرق الأشجار - في نفس الوقت - يؤدي إلى زيادة انبعاث غازات الدفيئة؛ بما يتبعه من أثارمدمرة على الوسط البيئي، وعلى الإنسان اليمني..

وفق دراسة أعدتها (الهيئة العامة لحماية البيئة) أوضحت:أن أفران المخابز في العاصمة صنعاء (البالغ عددها  722فرنا تحرق 17 ألفًا و خمسمئة طُنٍّ من الحطب سنويًّا.. أي أنها تحتاج إلى قطع ما يزيد على 860 ألف شجرة سنويا.. وطوال سنوات الحرب (الست) الماضية قطعت ما يربو على أربعة ملايين شجرة، لتغطية احتياجات أفران الخبز..

وتقدر مساحات الغابات و الأحراش في اليمن بـ (مليون ونصف المليون) هكتار،بينما تتوزع بقية المساحات، على أراضي صحراوية وصخرية وأراضٍ زراعية  ورعوية..

ويمثل مستوى حصاد الأشجار (على هذا النحو) تهديدات خطيرة لـ19 نوعًا من الأشجار الشائعة والحراجية..حسب (تقرير وزارة المياه والبيئة في اليمن)

يؤدي هذا التدمير للغطاء النباتي - في اليمن -الى  تدهور حاد في المراعي، والموارد الخشبية.. وتسارع وتيرة تعرية التربة، وزحف الكثبان الرملية.. ومن ثم التصحر.. وما تؤدي إليه تلك العوامل مجتمعة من انخفاض ملموس.. في مساحات الأراضي الزراعية، وانخفاض إنتاجيتها..

مزارع النخيل،ضحية نقاط التماس:

تعرضت حوالي مليون شجرة - من أشجار النخيل - للجفاف والموت؛ نتيجة وقوعها في (مناطق المواجهات العسكرية) في محافظة الحديدة، حسب تقرير صادر عن مكتب الزراعة: بمحافظة الحديدة..نشر بموقع (حلم أخضر)

ووفقاً لبيانات (وزارة الزراعة في صنعاء2018) تأثرت زراعة النخيل في محافظة الحديدة - التي تعد ثاني المحافظات المحلية، المنتجة لمحصول التمور بعد حضرموت–فقد تراجع إنتاجها في عام 2018إلى قرابة 11,085 ألف طن.. في حين أن إنتاجها قبل الحرب كان حوالي 16,721 ألف طن في العام 2014..

 "وفي هذا الجانب، فإن النزاع المسلح، أخل بالتوازن البيئي، ودمر مزارع النخيل "إذ تسبب بشكل مباشر بنزوح المزارعين من مناطق الخطوط الأمامية للمعارك.. تاركين خلفهم مزارع النخيل، ومحصول التمور.. وأعاقت الألغام الأرضية، وصول المزارعين لأراضيهم الزراعية.. كما أدى النزاع إلى ارتفاع حاد في أسعار (الوقود: الديزل) اللازم لتشغيل مضخات استخراج المياه الجوفية.. وحَدَّ من قدرة المزارعين، على الوصول للمبيدات الحشرية اللازمة لمكافحة الحشرات والأمراض.. وفق الدراسة التي قام بها (مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية ) بعنوان (تراجع إنتاج التمور في تهامة، والانهيار الزراعي في اليمن)

 

*صحفي يمني متخصص في الشئون العلمية

 

*ھذا التقرير نُشر: كجزء من مشاركة في (ورشة  الصحافة والعلوم: في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا)  وهو أحد مشروعات (معهد جوتة) الممولة من (وزارة الخارجية الألمانية)