الجمعة، 31 أغسطس 2012

روح لينداو تجمع علماء نوبل للعلوم


روح لينداو تجمع علماء نوبل للعلوم
ملتقى " سحر الفيزياء"



 المؤتمر الـ62لعلماء نوبل للعلوم- اكبر تجمع عالمي لعباقرة العالم وعلماء نوبل للعلوم 

عمر الحياني – لينداو  المانيا
نشر في مجلة تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات 

في اكبر تجمع عالمي لعلماء نوبل للعلوم  تستضيف  مدينة  لينداو  الالمانية  سنويا مؤتمرها العلمي للحائزين على جوائز نوبل في العلوم مع باحثين من جميع انحاء العالم في تجربة فريدة من نوعها  .
علماء نوبل في المؤتمر ال62 للحائزين على جوائز نوبل في العلوم
حيث نظمت مدينة لينداو خلال  الفترة من 1 -6يوليو(تموز)2012م فعاليات الدورة الـ62 لمؤتمر  الحائزين على جوائز  نوبل في العلوم تحت شعار" تعليم، إلهام، تواصل" بمشاركة  27 من الحائزين على جائزة نوبل في العلوم، وحوالي 592 باحثا شابا من 69 بلدا .
حدث علمي كبير جمع عباقرة العلم مع باحثين شباب من مختلف دول العالم ، عبر جلسات متنوعة  من المحاضرات والحوارات وحلقات النقاش العلمي  المخصصة  هذا العام لنقاشات حول مواضيع  في فيزياء الجزيئات وعلم الكون وقضايا الطاقة وتغير المناخ .
اكتشافا علميا قد يكون الأكبر في هذا القرن..
ولعل ابرز ما حدث في هذا المؤتمر اعلان اكتشافا علميا قد يكون الاهم في القرن الواحد والعشرين  فعلى هامش مؤتمر علماء نوبل  عقد الباحثون في مركز سيرن للأبحاث الاوربية  يوم  الاربعاء يوليو2012م مؤتمرهم    الصحفي أعلن خلاله  اكتشاف و رصد جسيما له خصائص مشابهة لما يعرف بـ"بوزون هيغز" المسؤول نظريا عن اكتساب المادة لكتلتها، وشكل نشأة  الكون .
وقد احدث هذا الخبر صدى عالمي  وتصدر هذا الاكتشاف الصفحات الاولى لكبريات الصحف والمواقع الإخبارية العالمية وغمرت الفرحة العلماء والباحثين في لينداو بإعلان هذا الاكتشاف الذي بدأ كنظرية ثم فكرة ثم مشروع ثم تجربة واخيرا ظهور بيانات أثبتت نتائجها وجود هذا الجسيم، حيث دارت جلسات علمية عقب المؤتمر لمناقشة أبعاد هذا الاكتشاف العلمي.
عمر الحياني - عبد الرحمن ابو طالب - لينداو المانيا
ووصف الباحث في الفيزياء الذرية والفضائية في جامعة هارفارد الامريكية  الدكتور محمد محمد زغر في تصريح خاص  بقولة  "ان هذا الاكتشاف يعد بمثابة بداية لمرحلة جديدة من البحوث المتعمقة في فهم المادة وتشكلها الاولي ، وسوف يخلق افاق جديدة للعلم وللعلماء.. من شأنها أن تضيء ألغازا في الكون ".
وتعود القصة إلى عام 1964، حيث كان العالم البريطاني بيتر هيجز واثنين من زملائه هما روبير بزو و فرنسوا انغلير قد افترضا نظريا وجود هذا الجسيم ضمن مجال كوني يتخلل كل الكون وآمن الكثير من العلماء بهذه النظرية التي تفسر كثير من الظواهر الكونية وتؤكد نظرية الانفجار العظيم الذي سبب الكون .
أعظم مشروع علمي على وجه الارض
ولكن كان لابد من الإثبات العملي لهذه النظرية واكتشاف ورصد هذا الجسيم وهذا يحتاج إلى محاكاة عملية بإجراء تجربة تصادم كونية نووية في ظروف بالغة التعقيد ولهذا الغرض ومن أجل هذه التجربة تم منذ منتصف الثمانينات البدء في بناء مصادم الهدرونات الكبير كأعظم مشروع علمي على وجه الأرض كلف أكثر من عشرة مليار دولار وشارك في بنائه عشرة آلاف فيزيائي ومهندس من مائة دولة ويعتبر هذا المصادم هو الأضخم والأعلى طاقة لتسريع الجسيمات في العالم في درجة تبريد تصل إلى 270 درجة تحت الصفر ويتكون من نفق دائري قطرة 27  كيلومتر على عمق 100 متر تحت سطح الأرض على الحدود الفرنسية السويسرية.

الباحثون العرب خارج التفاعل العلمي
ورغم اهمية المؤتمر العلمية  فان الجامعات ومراكز البحث العربية عازفة عن المشاركة في هذه المؤتمرات العلمية ، وفي تصريح خاص  اوضح  دكتور حسين سما عمري من دائرة الفيزياء  جامعة القدس  فلسطين " ان عدد المشاركين من العالم العربي  ثمانية مشاركين فقط بالرغم من اهمية المؤتمر العلمية و العالمية و ما يحتويه من  افكار هامة في جانب  الفيزياء و العلوم الاخرى "
ويضيف  " ان المؤتمر يوفر  فرصة  سانحة للحصول على المنح العلمية  للشباب و الباحثين من مختلف مراكز البحوث العالمية  ويعد المؤتمر تجمع استقطاب للباحثين "  ويؤكد في سياق حديثة "ان  الجامعات العربية والجهات الرسمية هي من يقع عليها التقصير في  مستوى التمثيل والمشاركة الهزيلة للباحثين العرب" .
اما الدكتور سيد سلامة احمد من  قسم الفيزياء  جامعة عين شمس فقد اوجز حديثة  بقولة " المؤتمر ملتقى علمي ومشاركة العرب هامة لأنه يعمل عملية تواصل ونقل تجارب وخبرات علميه وعملية  متبادلة ، لان عدم مشاركتنا في كهذا مؤتمرات  يجعلنا خارج نطاق ما يدور في العالم العلمي  ".
يواصل حديثة "مشاركة الباحثين في هذا المؤتمر يصقل الباحثين وحتى الطلاب ، بخبرات وأفكار  علمية جديدة  ، ويعمل على تغيير افكار الطلاب في كيفية التفكير وماذا نريد ان نعمل" .
الباحثون السنغافوريون برفقة رئيسهم
 وفي بادرة هي الاولى رافق رئيس دولة  سنغافورة الدكتور توني تان الباحثين السنغافوريين الي المؤتمر وكان على رأس ضيوف الشرف الذين حضروا المؤتمر هذا العام حيث أكد في كلمة ألقاها أمام الحاضرين اهتمام بلاده بالبحث العلمي كوسيلة لتحقيق التنمية المستدامة.. منوها إلى أن حضوره المؤتمر برفقة وفد الباحثين السنغافوريين يهدف إلى تحفيز وحث الشباب السنغافوري على الاهتمام بالبحث العلمي لصنع المستقبل.
رئيس دولة  سنغافورة الدكتور توني
وأضاف انه في بلد صغير كسنغافورة لا تتجاوز مساحتها 700 كيلومتر مربع ومواردها الطبيعية تساوي صفر لم يكن أمامهم سوى الاستثمار في المعرفة والعلوم بميزانية تقدر بستة مليار دولار سنويا مخصصة للبحث العلمي وهو ما جعل سنغافورة رغم صغرها من أهم اقتصاديات العالم بناتج قومي يقدر بحوالي 250 مليار دولار سنويا على حد تعبيره.
روح لينداو
على ضفاف بحيرة كونستانت في الجنوب الشرقي لألمانيا  بين الحدود الألمانية النمساوية السويسرية تقع جزيرة  لينداو  ضمن ولاية بافاريا , جمعت الجزيرة  بين  الفن المعماري القديم وروعة وسحر المكان .
 بهدوء يعيش  سكانها البالغ عددهم 3000 نسمة  على مساحة  نصف كيلو متر مربع  ، يتجاذب اليها السياح  من مختلف دول العالم  ، لكن صيتها الاشهر  نبع من استضافتها لمؤتمر ليندوا للحائزين على جوائز نوبل في العلوم منذ واحد وستين عاما عندما نشأت فكرة المؤتمر لدى عالمين فيزيائيين من لينداو هما فرانز كارل وجوستاف براد وبرعاية الكونت لينارت بيرنادوت.
جزيرة لينداو من اعلى جبل بفاندر النمسا
 تم وبصعوبة جمع سبعة علماء "نوبل" من أوربا عام 1951 ليثبت الألمان آنذاك قدرتهم على تجاوز آثار الحرب العالمية الثانية في سنوات قليلة.
ومنذ ذلك التاريخ صارت لينداو تستضيف كل عام وعلى مدى أسبوع في جزيرة صغيرة لا تتجاوز مساحتها نصف كيلومتر مربع نخبة من أكثر العلماء نبوغا وذكاء على وجه الأرض
انها روح لينداو التي تجمع العلماء منذ 61 عاما حسب وصف  الكونتسية  بنيتا   رئيسة مجلس لينداو خلال  كلمتها الافتتاحية للمؤتمر بقولها "ان استمرار تجرية   اجتماع الحائزين  على جائزة نوبل في العلوم   تمثل  روح لينداو  التي تجمع العلماء وتمثل رغبة مشتركة للتصدي للتحديات التي تواجه العالم , عبر مناقشة مسائل البحث العلمي  ذات الصلة  بقضايا العالم وعبر ربط العلم والمجتمع  .
 وكان المدير التنفيذي لمؤسسة نوبل في ستوكهولم  في السويد  لارس  هكينستن ، قد اكد في كلمته الترحيبية "نحن نواجه صعوبة في اختيار المرشحين  لجوائز نوبل للعلوم ، واعترف بوقوع بعض الاخطاء في اختيار المرشحين  لكنها طفيفة " .
عمر الحياني =جزيرة ميناو - المانيا
الختام رحلة الي جزيرة الزهور   ومستقبل الطاقة النظيفة
ختام المؤتمر كانت  رحلة بحرية الي جزيرة الزهور ميناو التي تبعد مسافة ساعتين بالباخرة من لينداو الي غرب جزيرة بحيرة الكونستانس  ، تمثل هذه الجزيرة متحف طبيعي  للنباتات والزهور النادرة تصل الي اكثر من ثلاثة الف نوع من بينها زهور التوليب والياقوت الأصفر وزهور الداليا ونباتات السحلب بالإضافة للبن اليمني  وصبار الصحراء وغيرها.
وعلى ربوع هذه الجزيرة عقدت حلقة نقاشية موسعة في الهواء الطلق عن مستقبل الطاقة في العالم  والي اين نتجه  والكوارث التي تخلفها انظمة الطاقة النووية وعن ازدواج التحديات  العالمية في نقص  الطاقة وزيادة معدلات الاحتباس الحراري.
وقد اوضح  غيورغ شوته  الامين الفيدرالي في الوزارة الاتحادية للتعليم والبحث العلمي  عن استراتيجية المانية  ذات تخطيط طويل الامد باعتماد  ثمانين بالمائة من الالمان  الطاقة النظيفة والامنة بحلول عام 2050م واكد اننا   لا نريد تكرار مأساة اليابان النووية.
في الباخرة الي جزيرة ميناو
ونبه المتحدثون  ان  الطاقة النووية ليست مصدر للتلوث كالطاقة الغازية ولكنها مصدر كارثي للتلوث في حالة الكوارث وغير آمنة.
وفي هذا الصدد علق الباحث في الفيزياء الذرية والفضائية في جامعة هارفارد الامريكية  الدكتور محمد محمد زغر في تصريح خاص  بقولة "ان منطقة الشرق الاوسط سوف تظل خلال المائة سنة القادمة مصدر الطاقة وعلى العرب استغلال هذه الفترة في بناء مجتمع علمي واستغلال هذه الاموال الطائلة في الاستثمار في البحث العلمي" .


الأربعاء، 1 أغسطس 2012

القات في اليمن البحث عن الكيف وسط ازمات تنذر بالكارثة

القات في اليمن
البحث عن الكيف وسط ازمات تنذر بالكارثة
نشر بمجلة البيئة والتنمية - لبنان عدد يوليو -اغسطس2012م

عمر الحيانيصنعاء 

يلوك القات ويمضغه في فمه  بحثا عن الكيف أو هربا من  واقع بائس . هذه حال معظم اليمنيين منذ قرون، ثمة رغبة لدى البعض في التخلص منه، لكن العادة اقوى من كل عزيمة.
فبعد كل يوم حافل بجلسات تعاطي القات أو" تخزينة" يعتزم المتعاطي  ألا يعيد الكرّة. لكن ما أن  تحل ظهيرة اليوم التالي حتى تدفعه رغباته بقوة لشراء القات وتعاطيه مجدداً.

إنه إدمان من نوع خاص يأخذ اليمني يوميا  الى تلك الاوراق الطرية ، ليضعها في فمه و يبدأ في  مضغها ،ويواصل امتصاص عصارتها مع قليل من الماء بين الحين والآخر.

تستغرق عملية التخزين ما بين ساعتين وعشر ساعات يومياً. تبدأ بعد تناول وجبة الغداء وقد تمتد الى ساعات متقدمة من الليل.  وغالباً ما  يتم ذلك جماعياً، وفي مجالس خاصة يطلق عليها ديوان أو مفرج أو طيرمانة يتم التخطيط لها قبل بناء المنزل . وقد تنفق عائلات فقيرة نصف دخلها على القات .
 عبر هذا الطقس ألاجتماعي تحوّلت شجرة القات الى  خطر حقيقي ، موقعة اليمن  في دائرة من  الكوارث الصحية والبيئية .

الصحة تتردى على أغصان القات

يثير القات جدلاً مستمراً في اليمن حول ما إذا كان مخدراً أم لا. فمنظمة الصحة العالمية أدرجته عام 1973 ضمن قائمة المواد المخدرة ، بعدما أثبتت أبحاثها على مدى ست سنوات احتواء نبتة القات على مادة "كاثين" (Cathine) المعروفة أيضاً بـ"نورسيدوفيدرين"
( Norpseudoephedrine) المشابهة في تأثيرها لمادة "أمفيتامين" (Amphetamine). إلا أن المفهوم الشائع بين اليمنيين أنه يحتوي على بعض المنبهات فقط ، وعلى أي حال ، فإن مخاطره الصحية تكفي لحظر استهلاكه.
ضيف الله المطري احدى متعاطي القات  وضحاياه يقول: " أدى تناولي كميات كبيرة من القات بشكل مستمر  الى تراكم السموم في جسمي و تدهور حالتي الصحية. على اثر ذلك، اضطررت لاستئصال الدودة الزائدة  وأصبت بالتهابات حادة في الأمعاء".   ويضيف:   "امتنعت عن تناول القات بعدما حذرني الطبيب  وصنف حالتي بالسيئة ".

ففي بادئ الآمر للقات تأثير كبير على الجهاز العصبي. يوضح أستاذ الاوعية الدموية والقلب في جامعة صنعاء الدكتور شرف العودي أن "ماضغي القات يمرون في مراحل مختلفة، تبدأ بمرحلة الانشراح الناتجة عن تنشيط الخلايا بمادة الكاثين ، وهي مرحلة تشبع الخلايا بهذه المادة، تعقبها مرحلة الاكتئاب نتيجة تعطش الخلايا لهذه المادة".

ويضيف " ان تعاطي القات يؤدي إلى تسارع ضربات القلب وارتفاع ضغط الدم مع حدوث تضييق للشرايين. محذرا من ان انتشار مرض سرطان الجهاز الهضمي في اليمن بشكل كبير هو نتيجة المبيدات المستخدمة زراعة في القات".

ويشرح  الدكتور وليد هبة  : ان تناول القات يؤدي الي  ارتفاع نبضات القلب المزمن وهو ما يؤدي إلى عدم قدرة عضلة القلب على تحمل الجهد الزائد و صولا الي  ضعفها  وفشلها .
 وهذا يفسر انتشار امراض القلب في بنسبة عالية جدا "

وتشير دراسة لاستشاري أمراض المخ والأعصاب في جامعة العلوم والتكنولوجيا الدكتور حسني الجوشعي عام 2010م إلى أن للقات تأثيرات على القلب ويؤدي الي تليف الكبد.
وهي تربط الجوشعي بين ازدياد حالات السرطان في اليمن والإفراط في استخدام المبيدات السامة والمواد الكيميائية المحظورة عالمياً في زراعة القات لتسريع نموها.
وتلفت  الدراسة إلى أن "متعاطي القات يتعرض لحالات مزمنة من الإمساك وسوء الهضم وفقدان الشهية".

ويعدد أطباء كثر مساوئ إدمان القات من زيادة نسبة السكر في الدم واحتمال الإصابة بداء السكري، مروراً بتقليل نسبة البروتين في الدم، وصولاً إلى التأثير على نمو الجسم كله. ولعل هذا ما قد يفسر الهزال وضعف البنية لدى غالبية المتعاطين في اليمن. بل ربما السبب الرئيسي هو سوء التغذية الذي يعتبر تعاطي القات احد مسبباته .




البيئة أيضاً تدفع  الثمن

مثلما يضر القات بصحة الإنسان، سواء كان مخدراً أو منبهاً، فهو عنصر مبدد للمياه ومضر بالتربة والبيئة عموماً.  وإذا كان تدخل الإنسان في الأنظمة البيئية  يهدف إلى تأمين الغذاء عادة، فان ما يحدث في اليمن يهدف إلى  تأمين الكيف لحوالي سبعة  ملايين متعاطي قات.
وقد اظهرت دراسة للبنك الدولي عام 2006م ان  72في المئة  من رجال اليمن  و33 في المئة  من نسائه يتعاطون القات ، اضافة الي اعداد متزايدة من الاطفال ،واشارات الدراسة الي ان واحدا من كل سبعة يمنيين يعملون في انتاج القات وتوزيعه ، ما يجعله اكبر مصدر للدخل في الريف وثاني اكبر مصدر للوظائف في البلاد بعد قطاعي الزراعة والرعي ليفوق القطاع العام  .
مزرعة قات وادي حضر مديرية الشعر -تصوير -عمر الحياني
هذا الكم لأجل الكيف شكل دافعاً لدى المزارعين لزيادة استخدام المبيدات الزراعية في المساحة المزروعة باشجار القات لجني الارباح السريعة .
وهذا ا نتج عنه آفات زراعية خطيرة وأخل بالتوازن البيئي، خصوصاً في غياب تطبيق القانون الذي ينظيم تداول مبيدات الآفات النباتية.


 هذه المبيدات، التي  تقتل بكتيريا تثبيت  "النيتروجين" (الآزوت) في التربة مسببة تدني خصوبتها. وتتفاعل النيترات(nitrate) الموجود في التربة مع بعض المبيدات مكونة مادة سامة تلوث التربة والمياه الجوفية  تمتصها النبتة و تخزنها في أنسجتها، مسببة  أمراضاً سرطانية  للإنسان .‏

 يوضح رئيس قسم الاراضي  في كلية الزراعة في جامعة صنعاء الدكتور عبد الاله ابو غانم "ليست لشجرة القات  تأثيرات سلبية على التربة التي تنمو فيها ، لكن المشكلة في  التوجه السائد لدى  المزارعين بالإفراط في استخدام  المبيدات الزراعية  لتسريع نمو القات".

ويضيف أن للمبيدات تأثيرات سلبية،مثل زيادة  صلابة التربة التي تصعب تغلغل الجذور في حال استبدال القات بنباتات اخرى. والأراضي التي تزرع بالقات ثم تتحول إلى زراعة أخرى تفقد المواد الغذائية اللازمة  لخواص الطعم في الخضر والفواكه ".
فوفقا لدراسة صادرة عن البنك الدولي لا يتطلب القات  كميات كبيرة من الأسمدة غير العضوية ، إلا انه  يعمل على امتصاص كميات كبيرة من العناصر الغذائية للتربة ، ويساهم في تدهورها " .
يروي المزارع حسين الرحبي من محافظة صنعاء "حتى نهاية التسعينات، كنا نستخدم التربة الناعمة لمكافحة الحشرات في اشجار القات والعنب. ومنذ استخدامنا المبيدات الزراعية دمر كثير من مزارع  العنب والقات "

الأسلوب القديم لمكافحة الحشرات يسمى "التتريب". وهو يتم عبر رش تربة ناعمة جداً على الاشجار قبل شروق الشمس ،حين يكون الندى على الأوراق فتلتصق التربة الناعمة بها وتمنع الحشرات من الاقتراب. لكن هذه الطريقة بدأت بالاندثار مع انتشار تجارة  المبيدات ومفهوم الربح السريع.

يقول الرحبي: " بعد ما حصل من دمار بسبب هذه المبيدات عاد مزارعون كثيرون الى  استخدام الطريقة القديمة لأنها تحافظ على الاشجار من الموت".


أذى الإفراط في استخدام المبيدات الزراعية لحق بالنحالين ايضا. احمد ناجي مسعد، وهومربي نحل في منطقة تشتهر بزراعة اشجار القات،  متحدثا عن خسارته : "استخدام المبيدات والسموم في رش  أشجار القات باستمرار وبشكل عشوائي ادى الى موت اعداد كبيرة من النحل، بل  الى موت خلايا بكاملها في بعض المواسم، ما سبب لنا خسائر فادحة ". مضيفا "لابد من وضع حد لهذه الشجرة التي سببت لنا المآسي، ولهذه المبيدات التي تحل علينا كل  سنة بأصناف غريبة عجيبة".



استنزاف  المياه  

المياه ايضا تدفع ثمن زراعة القات. وعلى رغم من  قرب نضوب الموارد المائية في اليمن، يواصل المزارعون استنزاف الاحواض المائية عبر حفر آلاف الابار لري 260 مليون شجرة قات تستنزف نحو 50في المئة  من المياه الجوفية المستخرجة .
وقد اازدادت المساحة المزروعة بالقات خلال العقود الاربعة الأخيرة بنحو 23 ضعـفاً، مرتفعة من سبعة آلاف هكتار عام 1970م الى  159 الف هكتار عام 2010م، أي ما يساوي 10في المئة  من إجمالي المساحة المزروعة المروية في اليمن بحسب المركز الوطني للإحصاء  لعام  2010 م.


نسبة مساحة زراعة القات الي المحاصيل الاخرى
وتشير التقارير الصادرة  عن الجهاز المركزي للإحصاء الي أن استهلاك القات للمياه يقدر بـ800 مليون متر مكعب سنويا لإنتاج  25 ألف طن ، أي أن الطن الواحد يستهلك 32 ألف متر مكعب من المياه، وقدر ان  ربطة القات الواحدة تستهلك 16 متر مكعب  من المياه.
أي  8في المئة  من متوسط نصيب الفرد في اليمن من المياه  سنوياً، طبقا لتقرير صدر عن منظمة الأغذية والزراعة "فاو" عام (1995).

 وتستهلك  المزروعات المحيطة بمدينة صنعاء، على سبيل المثال، نصف الكمية المستخدمة للري والبالغة 60 مليون متر مكعب سنويا ، وتذهب الكمية الباقية لزراعة القات.

وفيما تتوالى التحذيرات لوضع حد لاستنزاف المياه الجوفية في زراعة القات،  يواصل المزارعون استخدام الطرق التقليدية لريه ، كالغمر. ويحذر أبو غانم من "خطورة الوضع لأن  القات يستنزف المياه من الاحواض على حساب المحاصيل الأخرى. ويعتبر أن "الكارثة وقعت في اليمن وهي مسالة وقت قبل جفاف حوض صنعاء ، لذا لابد من التفكير الجدي بوضع الحلول العلمية. مقترحا "استيراد القات والمحاصيل ذات الاستهلاك الكبير للمياه من اثيوبيا والصومال بدل زراعتها في اليمن ".
ويزرع القات على ارتفاع 1000-2400 متر فوق سطح البحر ، ويحتاج الي درجة حرارة تتراوح بين 16و25درجة مئوية .
والي جانب اليمن ،يزرع في اثيوبيا وكينيا والصومال وتنزانينا وتتوسع زراعته في اليمن الي كثير من المناطق ،بعد ان كانت محصورة في محافظتين هما تعز واب .
ويبلغ متوسط مساهمة القات في الناتج المحلي 6 في المئة  حوالي 10.2 مليار ريال (ما يعادل 47 مليون دولار).أما عدد العاملين في القطاع، فيفوق  473 ألفاً، أي ما يمثل 25 في المئة  من العاملين في القطاع الزراعي و 14 في المئة  من إجمالي العمالة في كافة القطاعات حسب وثائق المؤتمر الوطني للقات 2002م  .


وادت زيادة الطلب على القات والارباح الكبيرة التي يجنيها المزارعون الي عزوفهم عن زراعة اشجار البن والعنب والحبوب وغيرها من المحاصيل والتركيز على زراعة القات وحده .
كما أدى انتشار زراعة القات في المناطق الهامشية إلى استصلاح بعض الأراضي بما في ذلك نقل التربة وإنشاء مدرجات زراعية جديدة في مناطق كانت جرداء وغير صالحة لزراعة أي محصول. لكن  أبوغانم يؤكد أنه يمكن لآلاف الهكتارات التي تزرع بالقات يمكنها  توفير نسبة كبيرة من الأمن الغذائي اليمني إذا زرعت بالفواكه والحبوب، داعيا الى  تنظيم حملات توعية  تستهدف  المواطنين في الأرياف والمناطق النائية وإيجاد البدائل للمزارعين.


ويشير الدكتور محمد الحمدي من قسم الموارد المائية في اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب اسيا (الاسكوا)الي ان العائدات المالية لكميات مياه الري هي الاعلى في محصول القات ،وهذا يفسر التحول من زراعة محاصيل اخرى الي زراعته .
لكنه مع ذلك يتم على حساب الميته الجوفية غير المتجددة .
ومن منظور اقتصادي ، يستهلك القات محليا ، وبذلك يساهم في العجز التجاري ،اذ يتطلب استيراد معدات حفر ومضخات وقطع غيار واسمدة ومبيدات وغير ذلك من متطلبات زراعته فضلا عن الاستهلاك المكثف لمصادر الطاقة المدعومة من اجل           ضخ المياه الجوفية لريه .
ويوكد الحمدي خطورة مشكلة المبيدات الي تستخدم بكثافة وعشوائية وتؤدي الي تلوث التربة والمياه الجوفية وتؤثر على صحة المتعاطين .
فالقات يمضغ طازجا ، ما يعني قطفة ونقله الي السوق وبيعة واستهلاكه في اليوم نفسه .
وللحفاظ على شكله الطازج والسليم ،يرشه المزارعون بالمبيدات ولا ينتظرون الوقت الكافي لزوال مفعولها قبل القطف والبيع ، الامر الذي يسمح ببقاء جزء كبير من المبيد الكيميائي ملتصقا بأوراق القات .
وهذا يؤدي الي تراكم السموم وزيادة تركيزها في جسم المتعاطي مسببة في كثير من الحالات امراض خبيثة يمكن ان تهدد النسيج الاجتماعي للمجتمع اليمني ،باعتبار  معظم متعاطي القات من الشريحة العاملة والمعيلة لنسبة كبيرة من السكان .
ويرى الحمدي ان مكافحة القات تقتضي خطة شمولية تتضمن برامج متوسطة وطويلة الامد وكما في مكافحة التدخين ،تشمل تدابير اجتماعية ودينية وتوعوية وتدابير اقتصادية تفرض روادع مالية .لكن الاهم هو توافر الارادة السياسية لمكافحة هذه العادة المستشرية في اليمن .
حملات ودعوات لوقف زراعة القات
على رغم  من "تخدير" القات لمعظم فئات المجتمع اليمني وتجاهل الحكومة لهذه الآفة، فإن لدى كثير من الشباب أملا في رؤية يمن بلا قات. "فالقات يعطي صورة سيئة عن اليمنيين  ويدمر جوانب مختلفة من الحياة في البلد"، وفق الناشطة الإعلامية هند الإرياني.  وذلك  كان الدافع الذي حفزها لتبني حملات التوعية  بمضار القات والدعوة الى منع تعاطيه. فحملتها الأولى "يوم  بلا قات" في  12 كانون الثاني (يناير) الماضي  لاقت رواجا كبيراً  لدى اليمنيين، ما شجعها على  اقامة الحملة الثانية تحت شعار "مراكز حكومية بلا قات" في  12 نيسان (أبريل)وهي قامت مع مجموعة من المحامين اليمنيين بتقديم مشروع قانون الي الحكومة بفرض عقوبات على من يستهلكون الموارد العامة على القات او يستخدمونه في المكاتب الحكومية .

وتشرح الارياني هدف الحملة  بالقول: " إنها لتحريك المياه الراكدة بالنسبة لموضوع القات، الذي سيساعد فتحه الكثير من منظمات المجتمع المدني في محاربتة ، وسيجعل المواطن يشعر أن القات غير مرغوب فيه ". فزراعة القات تستنزف أكثر من نصف المياه الجوفية في بلد يعاني من الجفاف وإهمال بقية المزروعات وحتى اقتلاعها واستبدالها به لأنه أكثر ربحاً. والقات لا يمكن تصديره لأنه ممنوع في بقية الدول الاخرى وتلاحظ الارياني:"سياسياً يتم مناقشة قرارات مصيرية للبلد في جلسات القات ، مع اننا جميعا نعلم انها تبقى مجرد أفكار لا يعمل على تحقيقها. وبذلك أصبح القات يتحكم في اليمن اقتصاديا وزراعيا وصحيا وسياسيا ".


كادر صغير:
القات يستهلك البلاستيك

يمثل استهلاك كميات كبيرة من اكياس البلاستيك، أحد الآثار البيئية المدمرة للقات. فكل متعاط يحتاج يومياً إلى كيس بلاستيكي او عبوة يضع فيه اغصان القات. ورفع ذلك استهلاك اليمن الى الى  80 الف طن سنويا، ينتج منها 40 في المئة  محليا ويستورد 60 في المئة  من الخارج، حسب  دراسة حديثة أعدها الدكتور عبد الوهاب صالح العوج ـ أستاذ الجيولوجيا المساعد  في كلية العلوم في جامعة تعز .