السبت، 21 فبراير 2009

سؤال التقدم المتعثر: العالم الإسلامي والتقدم العلمي

من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة
سؤال التقدم المتعثر: العالم الإسلامي والتقدم العلمي
هل لدى المجتمعات العربية الرغبة في أن تدعم المؤسسات والجمعيات ومختبرات البحث العلمي، بوصفها أدوات لإعمار الأرض؟
ميدل ايست اونلاين
بقلم: د. خالد عزب
تمثل الخرافة والدين الشعبي أكبر التحديات أمام سؤال التقدم والنهضة في الوطن العربي، خاصة ممارسة الشعوذة وربطها بالدين، أو تطرف بعض الطرق الصوفية بعيداً عن المعني الحقيقي للتصوف، لعل تلزم مواجهة هذا كله جعل العلم تتراجع مرتبته ودوره في المجتمع، انظر على سبيل المثال إلى عادة "الدوسة" وهي أن ينطرح الناس أرضاً مصطفين أحدهم لجنب الآخر، ثم يعلو أحد المشايخ على ظهورهم بحصان يدوسهم واحداً بعد الآخر، حتى ينتهي إلى آخرهم، وهي إهانة لهم مخالفة للشرع، إلى أن واجهها (محمد عبده) بفتوى ببطلانها ومارس ضغوطاً على الخديوي عباس حلمي الثاني وشيخ الطريقة البكرية لإلغائها، ولأن هذه العادة كثيراً ما أثارت سخرية الأوروبيين من المصريين، ووصفها (إدوارد لين بول) مستنكراً في كتابه عادات المصريين وتقاليدهم (1).
إذن نحن أمام سلوك شعبي يتنافى مع العقل ظل مستمراً في مصر حتى أوائل القرن العشرين، هذا يعني أن العلم في مصر ظل من محمد علي ومشروعه النهضوي إلى الآن مشروعاً نخبوياً يخص النخبة ولا يخص عموم المجتمع، ولعل هذا كان سبباً في العديد من المشاكل التي حاصرت مصر طوال القرنين الماضيين، متى يصبح العلم قضية مجتمع ومعركة من أجل النهضة.
إن ثلاثية السلطة وهي توزيع الأدوار بين أطراف محددة في المجتمع هي أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى جعل الإجابة على هذا السؤال صعبة، فالإسلام وإن كان قدم العلوم النقلية مقدمة تقديم تشريف على العلوم العقلية (التطبيقية)، إلا أن الثانية لم تحظى إلى الآن بنفس العناية والرعاية التي حظيت بها الأولى، لعل ذلك يعود إلى التحالف الذي قام ومنذ وقت العصر المملوكي في مصر بين رجال الدين ورجال السلطة وهم المماليك، حيث أنه بعد انتهاء الحروب الصليبية بتحرير (الأشرف خليل عكا)، واجه المماليك مشكلة التحول من نمط العسكر الذي أتاح لهم شرعية السيطرة على السلطة في مصر إلى نمط الدولة، فكان أن تحالفوا مع علماء الدين فعمل العلماء في مساجد ومدارس بناها المماليك وصاروا نظاراً لأوقافهم بل عملوا موظفين في الدولة بوظائف مختلفة، لم تقم دار للعلم أو الحكمة في القاهرة، بل صار بين كل مسجد ومسجد مسجد في القاهرة، وبين كل مدرسة دينية ومدرسة مدرسة، ولا نستطيع أن نستثني من هذا سوى (البيمارستان القلاووني) الذي أسهم كثيراً في تقدم الطب في مصر والعالم منذ إنشائه وحتى القرن 18، وتقدم محدود في الفلك لارتباطه بالمواقيت الشرعية من رؤية أهلة الشهور الهجرية أو مواقيت الصلاة.

وإذا كان هناك عالم ظهر بصورة أو بأخرى ليقدم لنا نموذجاً أو ثلة من العلماء حاولوا أن ينهضوا بالعلوم التطبيقية لتكون وسيلة لتقدم المجتمع، إلا أن منظومة وتركيبة السلطة المكونة من المماليك وعلماء الدين والتجار الذين يلعبون دور الوسيط بين التجارة القادمة من شرق آسيا إلى أوروبا، كل هذا جعل دور العلوم التطبيقية وعلمائها محدوداً في مجتمعاتنا، إلا في مجال العمارة والفنون المرتبطة بها، لأنها تعبر عن أبهة السلطة والحكم، لكن حتى في ظل الدولة العثمانية ظل الدور المحدود للعلوم التطبيقية سؤال الارتقاء بالمجتمع محدوداً.

كان هناك اهتمام بالرياضيات والطب والفلك، لكن كانت هناك فجوة تزداد يوماً بعد يوم بين العلوم التطبيقية في أوروبا وبين مثيلتها في العالم الإسلامي، لكن هل لم نكن ندرك ما يحدث في الغرب؟، هل لم يكن العلم له دور أو أهمية في مجتمعاتنا؟، هل رأت مجتمعاتنا في التقدم العلمي شيء عديم جدوى؟

لاشك أن الإجابة على هذه الأسئلة تعد محكاً حقيقياً لتردي الاهتمام برعاية العلم من مجتمعاتنا الراهنة. انظر إلى دعوتين موجهتين في ذات الوقت، واحدة لبناء مسجد في مدينة مكدسة بالمساجد، وأخرى لدعم البحث العلمي في مجال محدد، أيهما سيلقى الرعاية من المجتمع، لاشك أن بناء المسجد سيلقى هذه الرعاية الفورية، ولذا فإن علماء الدين عليهم إعادة طرح قضية دور المجتمع في النهوض بالبحث العلمي، بل والنهوض بالمجتمعات الإسلامية نحو مستقبل لا تقل فيه ضراوة هذه المعركة عن ضراوة معركة مواجهة الجهل والخرافة، بل أصبحت هذه المعركة هي معركة وجود أو عدم وجود كيان له احترامه للعرب والمسلمين في العالم.

إن البون لا يزال شاسعاً في مجتمعاتنا بين اعتبار العلم معركة وجود يتحدد على أساسها مستقبل هذه الأمة، علماً بأن الدين الإسلامي بريء من نبذ العلم، إذ اعتبر السعي للعلم أداة يجب على كل مسلم استعمالها، كما أن كل مسلم سيسأل عن "عمره فيما أفناه، وعن علمه ماذا عمل به" (2).

إن واحدة من المشكلات الكبرى التي تواجه سؤال النهضة والتقدم، هو حصر عدد كبير من علماء الدين مفهوم العلم في العلم الشرعي، خذ على سبيل المثال ما يلي العلم من وجه آخر شرعي وغير شرعي.

وإذا ورد مطلقاً في الكتاب والسنة فإنما يراد به العلم الشرعي، مثل قوله تعالى: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أتوا العلم درجات}، وقوله تعالى {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون}، ومثل قوله صلى الله عليه وسلم {طلب العلم فريضة على كل مسلم}، وقوله فيما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - قال {سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة.}

فلفظ العلم في هذه الآيات والأحاديث يراد به العلم الشرعي، أو ما يكون خادماً وموصلاً للعلم الشرعي كعلم العربية. والعلم قد يكون نافعاً وقد يكون ضاراً، كما قد يكون حقاً وقد يكون باطلاً (3).

لا يختلف أي عالم على فضل وأهمية العلم الشرعي بل وضرورته لكل مسلم، ولكن معالجة مفهوم العلم بصورة مستمرة في أدبيات علماء المسلمين وقصره على المفهوم الشرعي، شكّل بمرور الزمن رؤية لدى المسلمين بأن العلوم التطبيقية والعاملين بها بعيدين عن خدمة الإسلام كدين والمسلمين كمجتمعات مطلوب منها إعمار الأرض، كما أمرهم الله سبحانه وتعالى {هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها} (هود: الآية 61). وعمارة الأرض تتطلب معرفة جيدة بالعلوم التطبيقية التي تتقدم يوماً بعد يوم بصورة أسرع مما كنا نتصور منذ سنوات قليلة.

لقد كان الفقهاء المسلمون على وعي كامل بالفروض التي على المسلمين فقسموها إلى نوعين: فروض أعيان وفروض كفاية، وفروض العين مثل الصلاة والصيام، وأما فروض الكفاية فهي فروض عامة، فإذا قام بها البعض سقطت عن الأمة، لكن إن أهملها الكل أثموا، فكل علم نافع، أو صناعة مفيدة، فلابد أن يوجد من المسلمين من يحسن أداءها، وإلا حصل الإثم للجميع، لكن إذا جرى تعيين فرد لها، صارت بالنسبة له من فروض العين، ومن العلماء من يقدم فروض الكفاية على العين؛ لأهيمتها بالنسبة للأمة (4).

لكن غياب هذا عن شباب العالم الإسلامي، وكذلك غلبة مفهوم العلم الشرعي، جعلا العلوم التطبيقية بعيدة عن منظور المجتمع ورؤيته لها كضرورة لإعمار الأرض، حتى ترك شباب كليات الطب والهندسة والعلوم وتفرغوا للدعوة الإسلامية على نباهتهم وتفوقهم، وكأن الدراسة في هذه الكليات والتفوق بل والريادة بها أبعد ما تكون عن الدور المنوط من قبل الله جل تعالى بالإنسان.

أبو حامد الغزالي (1051- 1111)، له نظرية في العلم تكون فكرة واضحة عن العلم الشرعي والدنيوي، وعلاقة أحدهما بالآخر:

- في كتابه "إحياء علوم الدين"، قسم العلوم إلى شرعية، وهي ما استفيد من الأنبياء عليهم السلام، وغير شرعية، وهي ما أرشد إليهم العقل كالطب والرياضيات وأمثالها، وغير الشرعية هي من فروض الكفاية، فإن خلا منها بلد سارع إليه الهلاك.

- يتم فكرته في كتابه "أيها الولد" قائلاً "من يقتصر علمه على العلوم الدنيوية، دون الشرعية، فعمره يضيع فيما لا ينفع في الآخرة."

- في كتابه "ميزان العمل" يقول "من يقتصر على علوم الدين وحدها، فإنه لا يفهم من الدين إلا قشوره، بل خيالاته وأمثلته، دون لبابه وحقيقته، إذ لا تدرك العلوم الشرعية إلا بالعلوم العقلية، فإن العقلية كالأدوية للصحة، والشرعية كالغذاء." (5).

فقضية موقف الإسلام من العلوم الحياتية التي ترتقي بمعيشة الإنسان وتؤسس تقدمه واضحة لا لبس فيها، يبقى المجتمع المسلم الذي يجب أن يؤمن بأهميتها كأداة للنهوض بل وإعمال العقل في كل شئون الحياة.

***

الخرافة كما لعبت دوراً في تخلف المسلمين لسنوات، وكما لعب التحالف بين علماء الدين والسلطة دوراً لسنوات في تخلف المسلمين، فإن الإعلام يلعب نفس الدور اليوم، إذ أن العلم ومعركة النهوض والتقدم أمور مغيبة عن الإعلام، فخطيب المسجد في العصر المملوكي كان يدعو للسلطان والأمراء، والإعلام في العصر الحديث غيب قضية النهضة والتقدم، وكلاهما لعب على عواطف الجماهير المضللة.

خطب عبدالله النديم، خطيب الثورة العرابية، في الإسكندرية قائلاً "إن طوابي الإسكندرية إذا أطلقت مدافعها على البحر بلغ مرماها جزيرة قبرص. ومدافع الآستانة بتركيا إذا أطلقت تبلغ هذه الجزيرة من الجانب الآخر، فكيفما حاولت أساطيل الإنجليز فهي تحت رحمة مدافعنا."، وعلا هتاف الجماهير وتصفيقهم له!

كانت إذاعة القاهرة وصحفها في 1967 تؤكد للمصريين أنهم سيهزمون اليهود، بل وروجت لانتصار مزعوم فكانت الهزيمة، فإذا نظرت إلى الإعلام وجدت أن دوره في اللعب بمشاعر الجماهير كان سلبياً.

هذا الإعلام ليس له دور حقيقي إلى اليوم في توطين العلم كأداة للتقدم، بل في حث الحكومات على إرساء التفكير والنظر كوسيلة لتغيير أنماط الحياة المتردية في مجتمعاتنا، فلغة الخطاب من المنبر الذي يوعظ بالنار والآخرة، ولا يحث على عمارة الأرض كأنها توحدت مع ذلك الإعلام اللاهي الذي يؤكد إما الخرافة أو العبث بالعقول بعيداً عن الحث على إعمال العقل في الواقع الراهن لمجتمعاتنا.

كما أن الإدراك والوعي بالحادث في العالم من تقدم على كافة الأصعدة سواء في العلوم الإنسانية أو التطبيقية، فيه غياب كبير ولو كنا ننشر أو نذيع من حين لآخر اكتشاف علمي في إعلامنا، إلا أن الغيرة العلمية وسؤال مؤسساتنا العلمية وحثها ومراقبتها والتطبيقات العلمية، كل هذا في حاجة لكي يكون محط تساؤل يومي لدينا.

إن أجدادنا في القرن 16 لم يكن لديهم الإدراك والوعي فيما يحدث في أوروبا وما يدور في الأميركتين بعد نزول الأوربيين لهذه الأرض، فكان الصدام الحضاري والفجوة تتسع يوماًَ بعد يوم، لكننا الآن في ظل ثورة الاتصالات واندماجها في الوسائط الإعلامية، لم يعد لدينا حجة لكي لا يكون لدينا وعي وإدراك بما يحدث لدى الآخر آياً كان في الشرق أو الغرب من تقدم علمي.

إن توطين العلم وجعله جزءا من حياتنا اليومية، غاية تكتمل بها رسالة الدين الإسلامي، وهدف يجب أن يكون أساسياً في حياتنا، خاصة أننا في مصر حين سعينا لذلك وجدنا أفراداً يؤلفون في العلوم الحديثة على نحو (القس عيسى بيترو) في رسالته في العلوم الحديثة (ملحق 1)، وعلى نحو كتاب "خلاصة الافكار في فن المعمار" لمحمد عارف الذي يضاهي بل يفوق ما كتب في أوروبا من قبل معاصريه (ملحق 2).

هذا كله بالإضافة إلى تساؤلات وبحث المفكرين والسياسيين عن النهضة ووسائلها على نحو ما ألف (خير الدين التونسي) كتابه "أقوم المسالك لمعرفة أحوال الممالك" (6) التي ولت محاولاته للنهوض بتونس ورؤيته على أن المشروع النهضوي يجب أن يبني على أسس عقلانية واضحة، وعن طريق الاستفادة من تجارب الأمم الأخرى، مثل هذه الرؤى تكونت لدى العديد من النخب في القرن 19، نتيجة لاحتكاكها بأوروبا، على نحو ما ألف رفاعة رافع الطهطاوي "تخليص الإبريز في تلخيص باريز" 1834، وأحمد فارس الشدياق "الساق على الساق في ما هو الفارياق" 1855، و"كشف المخبأ عن فنون أوروبا" 1863، وأمين فكري "إرشاد الأنبا إلى محاسن أوروبا" 1892...إلخ.

لكن تميز خير الدين التونسي بزيارته لعشرين بلداً أوروبياًَ، انتهى بعدها إلى كتابة المتميز، والقضية الأساسية التي يدور حولها كتابه هي التمدن، الذي هو بمثابة الحكمة والحكمة كما يذكر "ضالة المؤمن يأخذها حيث وجدها".

يقول خير الدين في جرأة وواقعية غير مسبوقة محذراً المسلمين من مغبة الاعتراض عن الاقتباس عن الغرب "تحذير ذوي الغفلات من عوام المسلمين عن تماديهم في الإعراض عما يحمد من سيرة الغير الموافقة لشرعنا بمجرد ما انتعش في عقولهم من أن جميع ما عليه غير المسلم من السير والتراتيب ينبغي أن يهجر وتآليفهم في ذلك يجب أن تنبذ ولا تذكر حتى أنهم يشددون الإنكار على من يستحسن شيئاً منها وهذا على إطلاقه خطأ محض." (7).

وحيث أن القضية عنده هي التمدن فهو يدعو المسلمين إلى تجاوز الحواجز الدينية الضيقة، هو يدعوهم إلى ما نسميه اليوم بـ "التنوير أو التفتح"، ويؤكد على أن "كل متمسك بديانة، وإن كان يرى غيره ضالاً في ديانته، فذلك لا يمنعه من الاقتداء به فيما يستحسن في نفسه من أعماله المتعلقة بالمصالح الدنيوية كما تفعله الأمة الإفرنجية، فإنهم مازالوا يقتدون بغيرهم في كل ما يرونه حسناً من أعماله حتى بلغوا في استقامة نظام دنياهم إلى ما هو مشاهد وشأن الناقد البصير تمييز الحق بعيار النظر في الشيء المعروف عليه قولاً كان أو فعلاً فإن وجده صواباً قبله واتبعه سواء كان صاحبه من أهل الحق أو من غيرهم فليس بالرجال يعرف الحق بل بالحق تعرف الرجال." (8).

أما عما يجب أن نأخذه أو نقتبسه من الغرب فهو يرى أننا يجب اقتباس المعارف والتنظيمات الأوروبية المؤسسة على العدل والحرية، وهما أصلان في الشريعة الإسلامية، فإن ذلك يجر خير الدين إلى معالجة قضية إحياء القيم الإسلامية التي اندثرت بظهور الحكم المطلق القهري (9).

ظل سؤال التقدم في مصر مثيراً للجدل بين تسرب أن الإسلام سبب تأخر المسلمين وهو براء من ذلك، وعلى الرغم من محاولات محمد علي توطين العلوم في مصر والتحديث، إلا أن المفاجأة كانت مقاومة المصريين ذلك بل وبدا في بعض الأحيان نظرة سلبية لهذا التحديث (10).

إلا أنه بمرور الزمن ومع إدراك المصريين ووعيهم المتنامي بأهمية العلوم في تقدم الأمم، بدا سؤال التقدم سؤال المجتمع كله وليس السلطة فقط، لذا نرى طرحاً شاملاً لمسألة التقدم العلمي لجزء كبير من مشاكل مصر، فمحمد عمر طرح هذا تفصيلاً سنة 1902 في كتابه الشامل المعنون "حاضر المصريين أو سر تأخرهم" (11)، فهو يصف حالة التعليم العالي والفني أساس التقدم العلمي كما يلي "المدارس في القطر المصري عددها قليل واحتياج القطر إليها عظيم لمحنة أهل العلم في الوقت الحاضر أكثر مما في الزمن الغابر، وليس في القطر المصري كله من المدارس العالية غلا بضع مدارس حكومية وأغلبها يدل على اعتناء المرحوم الحاج محمد علي باشا بالتعليم، فللطب مدرسة واحدة حاضرها متأخر عما كان عليه قبلاً في زمن مؤسسها ينفر من دخولها التلامذة لقلة إنصاف الحكومة للمتخرجين فيها، فإن التلميذ بعد أن يحوز الدبلوما يتقاضى راتباً قدره ثمانية جنيهات في الشهر، وهو مبلغ حقير لقاء عمل كبير، أما عن المدارس الصناعية فليس للحكومة منها إلا اثنتان إحداهما في القاهرة والثانية في المنصورة." (12).

هذا ما دعا النخبة المصرية للسعي لتأسيس الجامعة الأهلية (13) لتكون أداة المصريين للتقدم وتعبيراً عن رغبة المجتمع في أن يكون متقدماً، ضارباً المجتمع مثلاً جيداً للتبرع ودعم مشروع من هذا النوع.

والسؤال المطروح اليوم هل لدى المجتمعات العربية الرغبة في أن تتبرع وتدعم المؤسسات التعليمية والعلمية والجمعيات العلمية ومختبرات البحث العلمي، بوصفها أدوات لإعمار الأرض كما أمرنا الله عز وجل أم سنبني مسجداً إلى جوار مسجد دون أن ندرك حاجتنا الماسة لأدوات إعمار الأرض كما هي حاجتنا لإعمار المساجد بيوت الله.

ملحق (1)


رسالة في العلوم الحديثة


مخطوطة مهمة، بدون عنوان، وهي أقرب إلى الكتالوج الفني الوصفي، منها إلى الكتاب المعتاد، ذلك أن صفحاتها عبارة عن رسوم دقيقة للآلات الهندسية والماكينات والموازين والخرائط الفلكية والتلسكوب وآلات الجراحة وأشكال مقطعية للجسم والنباتات وخرائط لقارات العالم، بحسب الأسلوب المعاصر في رسم الخرائط، وليس على الطريقة التراثية التي نراها عند الإدريسي وابن حوقل وغيرهما من الجغرافيين القدامى.

ويبدو أن المؤلف كان متبحراً في علم الفلك، فهو يرسم الأفلاك على حسب رأي كوبيرنيكوس (كوبيرنيقوس) ثم يرسمها على حسب وضع بطولوميوس (بطليموس) ثم يرسمها ثالثاً على حسب وضع تيكونيوس براها الفلكي (تيكوبراهي) وكأنه يؤرخ من خلال الرسوم لتطور علم الفلك.

وأهمية المخطوطة تكمن في كونها مستنداً خطيراً في إطار عملية التاريخ للنهضة العلمية الحديثة في البلاد العربية، فهي مؤرخة بسنة 1225 هجرية (1810) مما يعني أنها نُسخت إبان البواكير الأولى للنهضة الحديثة في مصر والبلاد العربية، خاصة أن التاريخ المذكور هو من وضع ناسخها المجهول الذي نسخها - كما ذكر في آخر المخطوطة - في ثغر دمياط المصري، مما يدل على أنها وُضعت قبل ذلك بسنوات.

أما صاحب المخطوطة، الذي ترجم ورسم الأشكال وألّف مقدمتها الموجزة التي تقول "إن الهيئات الهندسية، قد تفيد العقل إفادة كلية وتجعله يدرك الأشياء العقلية بالعين الباصرة الحسية...إلخ، فهو القس عيسى بيترو من مدينة القدس، وقد ألفها - كما يقول في المقدمة - لحضرة الجناب العالي: لوغوثاني السنيور باسيلي خليل فخر الجنس العربي!

وتقع المخطوطة في 19 ورقة، مقاس 17 × 24 سم، وبداخلها ورقة مطوية، مقاس 24 × 32 سم، مرسوم عليها الخريطة المناخية، وبظهرها خريطة فلكية للكون.

وقد قامت المكتبة مؤخراً بإصدار نسخة رقمية شاملة من هذه المخطوطة، في إطار مشروع المكتبة الرقمية للمخطوطات.

المخطوطة محفوظة بمجموعة مكتبة بلدية الإسكندرية تحت رقم 1449/ج فلك.

ملحق (2)


خلاصة الأفكار في فن المعمار (محمد عارف)


(بولاق، 1315- 1319 هـ، 4 أجزاء)

كان المؤلف مدرساً للعمارة بمدرسة المهندسخانة الخديوية ثم أصبح أحد أعضاء النيابة العمومية، وألف كتابه "خلاصة الأفكار في فن المعمار" ليقوم بتدريسه لتلامذة المهندسخانة، وتاريخ الطبعة الأولى 1315 هـ، وقد ذكر المؤلف في مقدمة هذه الطبعة أنه جعل كتابه مشتملاً على أربعة أجزاء الأول منها خاص بمواد العمارة، والثاني في آلات العمارة، والثالث في انشاء المباني، والرابع في العمارة.

وقد جمع كتابه من "أئمة الكتب نسبة لمؤلفيها"، فرجع إلى ما كتبه إبراهيم بك لينان، أحد مشاهير مهندسي ديوان الأشغال العمومية بمصر، وإلى ما كتبه علي باشا مبارك، مدرس العمارة بالمهندسخانة بمصر، وخفاجة بك مدرس العمارة بنفس المدرسة، وإسماعيل باشا مصطفى الفلكي الشهير ببناء الرصدخانة المصرية، ومسيو رينو الفرنساوي.

وقد استعرض المؤلف في الجزء الأول (152 ص) أنواع الأحجار والرخام والمحاجر المصرية وما كان يستخرج منها مع إيراد إحصاء دقيق عن محاجر القطر كلها، وتحدث كذلك عن أنواع الرخام الذي كانت تستورده مصر في عهده، والمباني التي استغل فيها هذا الرخام كمسجد الإمام الحسين وجامع القلعة، وأوضح في هذا الجزء عيوب الأحجار والرخام وطريقة معالجتها.

وتناول كذلك الكلام عن الطرق المستعملة في مصر للحصول على أحجار البناء والرخام بطريقة ألغام البارود أو قطن البارود أو البالستيت أو الديناميت أو النشر، كما تحدث عن الطرب بوجه عام، وطرق عمله وحرقه في القمائن والكوش، كما تحدث عن الجير والجبس وطرق حرقها وخواص كل منها، وكذلك تحدث عن الرمل والحمرة وخرسانة المونة والدقشوم مع توضيح نسب المونة في العمارات الأهلية والأشغال الصناعية وتناول الأخشاب وخاوصها المحلي منها والمستورد.

وختم هذا الجزء بالحديث عن الخوازيق والأطواق والركايز وطرق دقها، كما تناول المعادن المستعملة في العمارة من حديد وصلب ونحاس وغيره مع بيان طرق اللحامات والتعشيقات.

وخصص المؤلف الجزء الثاني (43 ص) للآلات الأصلية المستعملة في رفع الأثقال من بكر وعيارات (جملة بكوات) وملافيف (إسطوانة رفع)، والعفاريت والونشات وآلات النزح ورفع المياه والكراكات والغواصات، وختم هذا الجزء بالحديث عن الورش وترتيبها باستعمال الأشخاص أو الآلات الميكانيكية أو الحيوانات أو البخار، وبالجزء الأول والثانية ملاحق هامة عبارة عن جداول لحساب مقاومة المواد إجمالاً.

أما الجزء الثالث فهو في (396 صفحة) (بولاق، 1316 هـ) فقد قدم له المؤلف بشرح المباديء العامة للمباني السكنية، وتحدث بعد ذلك عن التأسيسات وأعمال الجس ثم ختم الباب الأول بإيضاح مواد البناء المستعملة في القناطر وغيرها من المباني المائية وشرح حرق الطوب في الكوش والأفران وعمل الحمرة والمون الخرسانية وكحل اللحامات والشروط الواجب اتباعها في أشغال عمارات تفتيش الأشغال.

وفي الباب الثاني وصف تفصيلي للحوائط المعمارية المبنية من الطوب أو الدبش أو الخرسانة أو الطين (الطوف) أو التخاشيب وهي ما تعرف بالحيطان السويسي والبغدادلي، وألحق هذا الباب بيان آلات البناء، وفي الأبواب التالية تحدث عن الطرز المعمارية المختلفة كالطرز الدوري واليوني والكورنثي، ثم تناول الكلام عن العقود والقباب والجملونات بأنواعها، ثم تحدث عن السلالم والدرجات والدرابيزينات، كما تحدث عن الحليات والشبيابيك والمساقيف والأعتاب والبويات بأنواعها ودورات المياه في المباني السكنية.

أما الجزء الرابع فهو 296 صفحة (القاهرة، 1319 هـ)، وقد قدم لهذا الجزء ببيان الأصول العامة والقواعد المتبعة لرسم المباني وزخرفتها، ثم تحدث في الباب الثاني عن العمائر الفرعونية من منازل ومدارس ومعابد وأهرامات، ثم خصص للعمائر العربية باباً خاصاً هو الباب الرابع، فتكلم عن الفن العربي عامة وشرح رسم المشبك مع دراسة فن العمارة العربية من الناحية الهندسية ومن ناحية النجارة والرخام والدهان وأشغال البرونز، ثم تحدث بعد ذلك عن المجارير والمراحيض والمقادير وتصميمها المعماري، وتصميم الحارات والشوارع العمومية والمستشفيات وكافة المباني الحكومية، وبيان الأصول الصحية في كل هذه المباني، ثم ختم الجزء الرابعة بطرق تبليط الشوارع بالأسفلت ثم بالحجر الصوان المسحوق المذاب بالحرارة مصبوباً في قوالب.


د. خالد عزب ـ مكتبة الإسكندرية


المراجع

(1) إدوارد وليم لين بول، عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم، (مصر ما بين 1833/1835) ترجمة سهير دسوم، مكتبة مدبولي، القاهرة 1991م، ص467، 468.

(2) جزء من حديث أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، انظر الترمذي 4/612، جامع الأصول 10/436 و437.

(3) د. محمد بن صامل السلمي، منهج كتابة التاريخ الإسلامي وتدريسه، دار الوفاء للطباعة، القاهرة 1988، ص25، 26.

(4) د. نعمان السامرائي، نحن والحضارة والشهود، كتاب الأمة، قطر 2001، ص108.

(5) د. نعمان السامرائي، نحن والحضارة والشهود، ص110، 111.

(6) خير الدين التونسي، أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك، مجلدين، تمهيد وتحقيق المنصف الشنوفي، بيت الحكمة، تونس، بدون تاريخ.

(7) خير الدين التونسي، أقوم المسالك، ج1، ص120.

(8) خير الدين التونسي، أقوم المسالك، ج1، ص123.

(9) خير الدين التونسي، أقوم المسالك، ج1، ص123.

(10) خالد عزب وأحمد منصور، مطبعة بولاق، خالد فهمي، كل رجال الباشا، محمد علي وجيشه وبناء مصر الحديثة، دار الشروق، القاهرة، 2001.

(11) محمد عمر، حاضر المصريين أوسر تأخرهم، مطبعة المقتطف في مصر 1902م. وطبع بمقدمة لمجيد طوبيا سنة 1992م من قبل دار مصر المحروسة ومنشورات الجمل.

(12) محمد عمر، حاضر المصريين أوسر تأخرهم، ص128، 129.

(13) جامعة القاهرة حالياً.










ليست هناك تعليقات: