الأحد، 8 فبراير 2009

الأغذية المعدلة وراثيا بين القبول والرفض فى العالم العربى


الأغذية المعدلة وراثيا بين القبول والرفض فى العالم العربى

د قاسم زكي*
الوكالة العربية للأخبار العلمية
(الأغذية المعدلة )أو المهندسة أو المحورة( وراثياGM Foods ، هو مصطلح جديد بدأ يدق حياتنا منذ عقد من الزمان وهو يدل على تلك الأغذية المنتجة من نباتات أو حيوانات تم فيها إدخال عوامل وراثية (جين غريب أو أكثر) من كائن حي آخر على التركيب الوراثى للكائن المراد تحسينة وراثيا لإنتاج صفة (أو صفات) وراثية جديدة مفيدة للكائن الحى، مثل مقاومة الظروف البيولوجية أو البيئية غير الملائمة، أو لزيادة مكونات البروتين أو الزيوت أو جودة الثمار فى النبات أو زيادة كمية البيض أو اللحوم أو الحليب أو الصوف فى الحيوان. وحيث يبدو فى الأفق الحاجة الشديدة والماسة لزيادة إنتاج الغذاء، فقد بلغ عدد سكان العالم العام الماضى (2008م) قرابة 6.6 مليار نسمة، ومن المتوقع أن يصل إلى 10.8 مليار نسمة خلال عام 2050م، وتسعون فى المائة من هذه الزيادة ستكون فى دول العالم النامى الفقير. وللمحافظة على المستوى الغذائى الحالى للعالم (مع التسليم بعدم كفايتة)، لابد من زيادة الإنتاج بنسبة 30%، لتتلآتم وزيادة السكان وهذا ربما لا يمكن تحقيقة. لذ كان لزاما علينا، نحن البشر البحث عن حلول غير تقليدية لحل تلك المشكلة غير التقليدية. فربما كانت إحدى السبل المتاحة هى ثورة التكنولوجيا الحيوية والهندسة الوراثية، والتى إحدى ثمارها هى الأغذية المهندسة وراثياGM foods. ورغم نجاح الثورة الخضراء (من قبل) فى زيادة إنتاج الغذاء خلال الخمس عقود الأخيرة، فإن تلك الطرق أضحت غير كافية، فطرق تربية النبات التقليدية تعتمد على نقل وتوليف الأطقم الوراثية بأكملها مما يؤدى إلى انتقال الجينات المرغوبة وغير المرغوبة، كما أن فرز وإنتخاب انواع جديدة مستقرة وراثيا هو عملية بطيئة جدا وباهظة التكاليف، وكذلك فإن الطفرات التى تؤدى إلى تحسين المحصول تحدث بمعدلات منخفضة جدا حتى عندما يتم إحداثها صناعيا. ولكن تقنية التحوير الوراثى بأساليب الهندسة الوراثية تتم بدقة شديدة، حيث يتم نقل جين من كائن لوضعة فى كائن أخر (مثل عزل جين مقاومة الحشرات من بكتيريا (باسيلس ثورنيجينسيسBacillus thuringiensis ) الموجودة فى التربة، ونقلة إلى نبات القطن أو الذرة أو البطاطس أو غيرها من النباتات، والتى تصبح شديدة المقاومة للحشرات ولا تحتاج لمبيدات، لذا تحافظ على نظافة البيئة.
ففى مجال الأغذية نباتية المصدر، منذ إنتاج أول نبات معدل وراثيا عام 1983م، ثم إطلاقها تجاريا عام 1996م، وحتى الأن زادت مساحات الأراضى المنزرعة بتلك الحاصلات المهندسة وراثيا و تجاوزت 150 مليون هكتار عام 2008م، منها حوالى 70% تزرع فى الولايات المتحدة الأمريكية وحدها. كذا تزرع المحاصيل المهندسة وراثيا فى الحقول الإنتاجية لعديد من دول العالم الأخرى مثل: كندا، دول الإتحاد الأوربى، الأرجنين، المكسيك، أستراليا، البرازيل، جنوب أفرقيا، الصين والهند، ويتم تداولها تجاريا فى أكثر من 53 دولة فى قارات العالم الست. ومن منتجات الهندسة الوراثية التى تتوافر بالأسواق: الطماطم والبطاطس والموز وفول الصويا والذرة والكانولا، والقطن، والقمح والشعير وعديد من نباتات الخضر والفاكهة والحبوب الأخرى ومنتجاتها من دقيق وخبز وحلويات وزيوت وعصائر. وتقدر قيمة السوق العالمية للمحاصيل المنتجة بالتكنولوجيا الحيوية فى عام 2007 بحوالى 7 مليارات دولار أمريكى. كذا هناك أبقار محورة وراثيا وأسماك السلمون العملاقة، وإنه لمن الصعب تمييز الفرق بين الطعام المعدل جينيا وغير المعدل فكلاهما له نفس المذاق والمظهر.
ومنذ عام 1996م بدأت تلك المنتجات الغذائية المعدلة وراثيا وخاصة النباتية منها، تغزو الأسواق، وكأى منتج جديد أو تكنولوجيا حديثة، قوبل بالمخاوف وأحيانا بالرفض وبكثير من القلق مما يمكن أن تجلبه تلك الأغذية من مخاطر. وهنا تدخلت الدول وتشريعاتها لتحكم تداول تلك المنتجات، وكانت البداية من أكبر دولة منتجة للأغذية المهندسة وراثيا على مستوى العالم، وهى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أعلنت هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) أنها لا تعتبر الأغذية المعدلة وراثيا تختلف عن الأغذية المنتجة بالطرق التقليدية وإن تطلب فقط كتابة البيانات الإيضاحية فى حال إمكانية أن تشكل هذه المنتجات مخاطر واضحة و محددة مثل الحساسية. وفى يناير 2001م أعتمد مندوبو 130 دولة فى منتريال، بروتوكولا حول الأمان الحيوى و تنظيم الصادرات للمنتجات المعدلة وراثيا. و رغم هذا، يعارض العديد من المجموعات العلمية و الشعبية تطوير وإنتاج الأغذية المهندسة وراثيا، ويحذرون من مخاطرها، بينما يدافع خبراء ومديرو شركات التكنولوجيا الحيوية عن مميزاتها وسلامتها، و يؤكدون انها تمثل رمز المستقبل. وبالرغم من هذه الفوائد، فإن زراعة منتجات التكنولوجيا الحيوية لا تزال تحت الحصار لاسباب إيجابية وسلبية معا فى بعض الدول، فقد قام الناشطون بحرق حقول و تفجير مختبرات مثل ما تقوم به جماعات السلام الأخضر (GreenPeace)، و بعض جمعيات حماية المستهلك و جمعيات الحفاظ على البيئة حول العالم. و لاتزال بعض دول فى أوربا و أسيا ترفض التزود بالأغذية الأميركية المهندسة وراثيا. أما اللافت للنظر هو تبنى دول العالم النامى لتلك التكنولوجيا، فمثلا بدأت حقول محاصيل GM تزدهر فى دول العالم النامى كالصين والهند والمكسيك والأرجنتين وجنوب أفريقيا والبرازيل وغيرها. ولعل من الضرورى تذكير القارئ بأن دول العالم المتقدم، لديها وفرة فى الإنتاج فى غالبية المحاصيل الغذائية، و لذا فهى ليست بحاجة ماسة للهندسة الوراثية مثلما هو الحال فى دول العالم النامى.

وفى عالمنا العربى و الذى يربطة بالعالم صلات عديدة، (حيث أصبح العالم قرية صغير، فها هى التكنولوجيا الحيوية و منتجاتها تأتى إلى موائد أطعمتنا و ملابسنا و غذاء حيواتنا) كان لزاما أن نتابع هذه التكنولوجيا، و نسعى فى تنميتها لتصبح صناعة عربية بأيد عربية وللإنسان العربى، أسوة بما تم فى أقطار تشبة ظروفنا (العالم النامى) والتى نجحت فى هذا المضمار. ولقد أتسمت التغطية الإعلامية تلك الموضوعات فى بدايتها بالخلط بين المفاهيم المختلفة دونما دليل (مثل الخلط بين النباتات العادية المنتجة بالتكاثر عن طريق زراعة الأنسجة، وتلك المنتجة بالهندسة الوراثية)، مما كان له إنعكاس سئ لدى المتلقى العربى، فبدأ يرفض تلك التكنولوجيا من البداية و يتعصب ضدها، حتى أن هناك قطاع من المثقفيين و أيضا بعض علماء التخصصات الأخرى، قد رفضوا تلك النقلة الحضارية. ولقد أتهم المستهلك العادى كل مشكلة تأتى فى مجال إنتاج النبات بأنها مهندسة وراثيا، فمثلا حينما رأى المستهلكون كبر حجم ثمار بعض الخضر والفاكهة مع إختلاف طعمها عن المألؤف، وجهة الإتهام لها بأنها مهندسة وراثيا، كذلك حين قام بعض ضعاف النفوس من منتجى تلك الحاصلات برشها بالهرمونات ليكبر حجمها بسرعة، أو برشها بالمبيدات بإفراط لحمايتها من الأفات و الحشرات و حتى فى مواعيد جمع الثمار، مخالفا بذلك قواعد إستخدام تلك الكيماويات، أيضا وجه الإتهام للهندسة الوراثية، علما بأن فى عالما العربى هناك عديد من المراكز البحثية المتميزة التى بدأت خطوات جادة فى سبيل هندسة المحاصيل العربية كالقمح و الشعير و القطن و الذرة و غيرها، و التى جميعها ما تزال إما فى مراحل البحث المختبرى أو الحقلى كما هو يجرى فى مصر والسودان والمغرب وتونس, ولقد سمحت مصر ولآول مره فى تاريخ المنطقة العربية، بزراعة الذرة الشامية المعدلة وراثيا بواسطة شركة أمريكية، فى صيف العام الماضى 2008م، والتى أبديت زياردة فى الإنتاج تصل إلى 30% عن الحقول العادية، بالإضافة لعدم حاجتها للرش بمبيدات حشرات الثاقبات التى تهاجم الذرة العادية وتدمرها. هذا ربما لا ينفى تسرب منتجات غذائية تشمل ضمن مكوناتها أغذية معدلة وراثيا فى الأسواق العربية، كما نوهت بذلك بعد الدراسات.
ومنذ إنتاج أول نبات معدل وراثيا و إلى الآن (أى خلال الـ 26 عاما الماضية) لم تظهر أخطار واقعية من نتائج تجارب تقرير الصلاحية. ولكن هناك مخاوف بيئية وصحية بعضها افتراضية، ولذا تم وضع الضوابط والنظم واللوائح التى تحكم تداول نباتات الهندسة الوراثية قبل وأثناء وبعد تعديلها. والتكنولوجيا الحيوية والهندسة الوراثية تستطيع القفز بمعدلات الإنتاج أضعاف الطرق التقليدية، بل وتحل مشاكل معقدة يصعب فك رموزها حاليا، أم الدول المتقدمة "أمريكا وكندا والإتحاد الأوربى وأستراليا" فإن إنتاجها من الغذاء يكفيها وتصدر للخارج، والهندسة الوراثية لديها لزيادة الرفاهية و التقدم، و لذا فهى ضرورة لدول العالم النامى، أمثالنا. لذا نأمل أن يتم التركيز على بناء مجتمع علمى مثقف، يتقبل الجديد ويتفهم مستجداتة، وتبنى التكنولوجيات التى تتلائم وتتوائم مع مجتمعاتنا مع ظروفنا ومتطلباتنا. بهذا يمكن الإعتماد على الذات والوصول لحد الإكتفاء الذاتى لدول الوطن العربى فى غذاءه، كما فعلت بعض البلدان الأخرى والتى قطعت شوطا طويلا فى مجال التكنولوجيا الحيوية والهندسة الوراثية.

* أستاذ الوراثة ومدير مركز الهندسة الوراثية والتكنولوجيا بجامعة المينا

هناك تعليق واحد:

Unknown يقول...

شكرا على الشرح المستفيض
دمتم سالمين