الثلاثاء، 9 فبراير 2010

الليزر.. معجزة علمية في كل ما حولك


الليزر.. معجزة علمية في كل ما حولك
نسيبة داود

أشعة الليزر
تحتفل الأوساط العلمية هذا العام بمرور 50 عاما على اختراع الليزر الذي يوصف بأنه أحد أعظم اختراعات القرن العشرين. ورغم أن علماء الفيزياء لم يتمكنوا من استثمار هذه المعجزة العلمية إبان ظهور تقنية الليزر لأول مرة عام 1960 -حتى أن البعض أطلق عليه "الحل الذي يبحث عن مشكلة"- فإنه بعد نصف قرن من الزمان بات بالمعنى الحرفي للكلمة "الحل الأسرع والأنظف" لغالبية المشاكل، فضلا عن كونه أيسر وآمن الحلول.

ولا تكاد تخلو مؤسسة أو بيت من استخدام الليزر بدءا من الأجهزة الإلكترونية ومرورا بالألياف الضوئية وحتى ألعاب الأطفال وأضواء الاحتفالات، كما لا يكاد يستغني أي مجال من مجالات العمل، الهندسية والزراعية والصناعية والطبية والتعليمية وحتى الترفيهية، عن استخدام الليزر. فنراه في غرف الجراحة وقاعات الدراسة (طابعات الليزر، أجهزة العرض، أقلام الإشارة الضوئية) وخطوط الإنتاج في المصانع وفي الخدع السينيمائية، وحتى في أصغر المتاجر التي تستخدم تقنيات المسح الضوئي الرقمية المعروفة باسم "باركود".

كل هذا جعل الأكاديمية الأمريكية للهندسة تختار توليفة "الليزر والألياف البصرية" كواحدة من بين "أهم 20 تطورا هندسيا في القرن العشرين"، باعتبارها السبب الرئيسي في ثورة الاتصالات.

شعاع مايمان

أطلق عالم الفيزياء الشهير "ثيودور مايمان" أول شعاع ليزر عام 1960 في "معمل أبحاث هيوز" بولاية كاليفورنيا الأمريكية، عندما سلط ضوءًا ساطعًا من مصباح مومض باتجاه قضيب من الياقوت الأحمر مغطى بطبقة من الفضة. وبذلك أنتج مايمان الليزر (LASER) وهو اختصار لمصطلح (Light Amplification by Stimulated Emission of Radiation) أي "تضخيم الضوء بانبعاث الإشعاع المستحث".

وارتبط اسم "مايمان" (1927-2007) بالليزر الأحمر أو ليزر الياقوت (Ruby laser) الذي لم يكن معروفا حتى ذلك الوقت رغم محاولات سابقة لبعض العلماء لإنتاج الليزر. ومن بين تلك المحاولات كانت الدراسة النظرية التي قدمها العالمان "تشارلز تاونز" و"آرت تشاولو"، وهي اقتراح نظري حول إطلاق شعاع ميزر (MASER) –تضخيم موجات الميكروويف بانبعاث الإشعاع المستحث- بنفس الطريقة التي نجح بها مايمان مستخدما الضوء بدلا من موجات الميكروويف.

لكن الليزر الذي أطلقه "مايمان" كان له عدة صفات لم تذكرها دراسة "تاونز" و"تشاولو" أولها أن مايمان استخدم في تحفيز قضيب الياقوت نبضات ضوئية تبلغ فترة كل ومضة منها بضعة أعشار الثانية الواحدة.

لم يستخدم "مايمان" موجات ضوئية متصلة ولذلك فإن مقدارًا كبيرًا من الطاقة أطلق في وقت قصير جدا، وهو ما منح الشعاع قوة أكبر بكثير مما أُنتج في محاولات سابقة.

يعمل الليزر عن طريق تزويد الذرات أو الجزيئات بطاقة إضافية، فتصبح أعداد الجزيئات ذات الطاقة العالية أكثر من تلك ذات الطاقة المنخفضة، وعند حدوث ذلك، فإن الأمواج الضوئية التي تمر خلال قضيب الياقوت الأحمر ينتج عنها كم كبير من الإشعاع المستمد من الجزيئات ذات الطاقة العالية، وهذا الكم يكون أكبر مما تفقده تلك الموجات بامتصاصها لدى الجزيئات ذات الطاقة المنخفضة.

والميزة الثانية لليزر مايمان هي ما أذهلت علماء الفيزياء حقا؛ فقد استطاع تفريغ الجزيئات ذات الطاقة المنخفضة من قضيب الياقوت المستخدم في التجربة، ما أدى إلى حدوث مقدار كبير من الانبعاث المستحث، ساعد على ظهور شعاع الليزر.

قبل مايمان

يعود تاريخ البحث عن الليزر إلى ما قبل مايمان بزمن طويل؛ ففي عام 1917 وضع "ألبرت آينشتين" القواعد النظرية الأساسية لليزر والميزر في دراسته التي عنونها: "حول نظرية الكم للإشعاع"، حيث أعاد النظر في قانون ماكس بلانك للإشعاع، المبني على مفهوم معامل احتمال الامتصاص (معاملات آينشتين) والانبعاث الفوري والانبعاث المستحث للإشعاع الكهرومغناطيسي.

وفي 1928 أكد رودلف لادنبرج وجود ظاهرة الانبعاث المستحث، كما تنبأ فالنتين فابريكانت في عام 1939 باستخدام الانبعاث المستحث لتضخيم الموجات القصيرة، وفي عام 1947 عثر "ويليس لامب" و"آر سي رذرفورد" على ما بدا أنه انبعاث مستحث في أطياف الهيدروجين، وهو ما اعتبر أول ظهور للانبعاث المستحث.

وفي 1950، عرض "ألفريد كاسلر" طريقة الضخ الضوئي التي تم تأكيدها بالتجارب العملية بعد ذلك بعامين.

وفي مايو 1960، شرح "مايمان" أول أداء لليزر في مقال نشره بصحيفة "نيتشر" العلمية، وقدم للعالم تقنية أضحت تستخدم بشكل رئيسي في تخزين المعلومات عبر أجهزة حفظ ضوئية مثل مشغل الأقراص المدمجة (CD, DVD)، إلى جانب استخدامها في ألياف الاتصال الضوئية والأجهزة التي تعمل بهذه التقنية مثل الباركود وطابعات الليزر وأقلام الإشارة بالليزر.

استخدامات مذهلة لليزر

ولشعاع الليزر سمة أساسية هو أن طيف الضوء المنبعث منه يكون له نطاق تردد ضيق جدا ومحدد، وهذا يجعل شعاع الليزر ممتدا إلى مسافة طويلة دون أن يتسع طيفه.

وأحد أهم استخدامات الليزر بعد سنوات من اكتشافه كان في قياس بُعد القمر عن الأرض، وحدث ذلك عام 1969 عندما تم إرسال شعاع ضوئي للقمر حيث استقبلته عاكسات كبيرة كانت مثبتة على سطح القمر بواسطة رواد فضاء في برنامج أبوللو الأمريكي.. قامت هذه العاكسات بإرجاع الشعاع إلى الأرض، وتم قياس الفترة التي استغرقها الشعاع ذهابا وإيابا، ومن خلالها عُرف بعد القمر عن الأرض.

وفي وقت لاحق تم إرسال شعاع ليزر روبي واستقباله عن طريق تيليسكوب لقياس المسافة من القمر إلى الأرض بهامش خطأ يبلغ 3 سنتيمترات فقط. واعتبرت هذه من أهم استخدامات الليزر قصير النبضات.

وكما يقول "تاونز" في مقال له بدورية "جامعة شيكاغو" الأمريكية: كان الليزر إبان اكتشافه بالفعل "حلا يبحث عن مشكلة"، فلم يكن عند العلماء فكرة عن كيفية توظيفه لخدمة البشرية. "لكن بالجمع بين علمي البصريات والإلكترونيات، فتح الليزر مجالات متسعة جديدة من العلوم والتكنولوجيا. وظهر بعد ذلك بوقت قصير العديد من أنواع الليزر، كما عُرف الكثير من تطبيقاته".

ليزر من كل شيء!

ففي معمل أبحاث "آي بي إم" في نيويورك، استطاع "بيتر سوروكين" و"ميرك ستيفنسون" خلال عام 1960 أيضا إطلاق شعاعي ليزر بتقنية مشابهة للتي استخدمها "مايمان"، غير أنهما استخدما قضيبا من فلوريد الكالسيوم بدلا من الياقوت. وبعد ذلك، في عام 1960 أيضا، استطاع "علي جوان" و"ويليام بينيت" و"دونالد هيريوت" إنتاج نوع متميز من الليزر مستخدمين مادة "هيليوم نيون"، فنتج عنها إشعاع مستمر ذو تردد عالي النقاء ونطاق طيفي ضيق جدا.

وتلا ذلك اكتشاف ليزر أشباه الموصلات، الذي أنتجه "روبرت هول" عام 1962 في معامل "جنرال إليكتريك" في نيويورك. وأصبح هذا النوع من الليزر هو الأشهر والأقل كلفة، وبات يدخل تقريبا في كل الاستخدامات اليومية إلى الآن؛ مثل أجهزة المسح الرقمي (الباركود)، والألياف الضوئية المستخدمة في أجهزة الاتصال، وأقلام الليزر.

وأدخل العلماء كل ما استطاعوا من مواد لإنتاج الليزر، حتى أن عالم الفيزياء "تشاولو" أنتج على سبيل المزاح ليزر "مأكول" من الجلاتين المنكّه (لكنه لا يؤكل بالفعل بسبب الصبغة التي استخدمت لتلوينها)، إلى جانب الليزر "المشروب" الذي استخدم فيه خليطا من المشروبات الكحولية.

كما عثر العلماء على ليزر طبيعي في أجسام فلكية، فعلى سبيل المثال يعمل ثاني أكسيد الكربون الموجود في الغلاف الجوي لكوكبي المريخ والزهرة على تضخيم الأشعة تحت الحمراء، المستحثة من أشعة الشمس، والإشعاع المكثف القادم من النجوم يحفز عمل الليزر في ذرات الهيدروجين الموجود في السحب الغازية العملاقة المحيطة بالكوكب.

أما اليوم، فقد تطور إنتاج الليزر بشكل كبير، حيث بات يحقق أعلى كثافة للطاقة من أي وقت مضى، وأكثر دقة في قياس المسافات، وأكثر الوسائل حساسية ودقة في التقاط الأجسام متناهية الصغر ونقلها، مثل الكائنات الدقيقة، كما تم الوصول لأقل درجة حرارة على الإطلاق باستخدام الليزر، واخترعت أنواع جديدة من الإلكترونيات والأجهزة البصرية، وافتتح العديد من الصناعات التي تقدر بمليارات الدولارات.

كما بات الليزر يستخدم في جميع مجالات البحث العلمي، وهناك على الأقل عشرة علماء ممن حازوا جائزة نوبل، لم يكونوا ليحققوا إنجازاتهم لولا استخدام الليزر.

تطبيقات طبية

وفي عام 1999 حاز العالم المصري أحمد زويل جائزة نوبل في الكيمياء لابتكاره نظام تصوير فائق السرعة يعمل باستخدام الليزر وله القدرة على رصد حركة الجزيئات عند نشوئها وعند التحام بعضها ببعض، ووضع زويل وحدة زمنية تلتقط فيها الصورة وهي "الفمتوثانية" وتساوي جزءًا من مليون مليار جزء من الثانية (10 to the power 15).

هذا التقويم الزمني الجديد (الفمتوثانية) كان له تأثير غاية في الأهمية على البحث العلمي، ويقول زويل في كتابه "عصر العلم": إن هذا التقويم "فتح أبواب عالم المادة وديناميكيتها على مصراعيه، فكما نرى الكواكب تدور بالتقويم الشمس نرى الذرات تدور بتقويم الفمتوثانية".

وساعدت تلك التقنية في التعرف على الكثير من الأمراض بسرعة فائقة، إلى جانب تطويرها لتستخدم في علاج بعض الأمراض وإجراء بعض الجراحات في عدد قليل من "الفيمتوثانية"، وهو ما يجعل المريض لا يدرك الشعور بالألم خلال هذا الوقت المتناهي القصر.

ومن أشهر التطبيقات الطبية للليزر جراحات تصحيح الإبصار المعروفة باسم الليزك. حيث تعمل أشعة الليزر على تعديل شكل القرنية باستخدام أداة دقيقة تسمى "الميكروكيراتوم". ويستعمل الإكزايمر ليزر لإزالة جزء من النسيج الداخلي للقرنية (يتم تقديره حسب نوع ودرجة عيب الإبصار). وتتم هذه العملية دون الحاجة لأي غرز جراحية.

ويرتبط الليزر في أذهان كثير من النساء بجراحات التجميل خاصة ما يتعلق بعمليات إزالة الشعر، وشفط الدهون، وتتم عملية شفط الدهون بالليزر عن طريق إدخال مسبار دقيق ذي ألياف تطلق الليزر منخفض الطاقة إلى الدهون المستهدفة، وتعمل الطاقة التي يطلقها الليزر على تحطيم الخلايا الدهنية، ومن ثم يتم شفطها. وليس لهذه الأشعة أي تأثير على الأنسجة المجاورة، والمذهل أن هذه الجراحة لا تستغرق أكثر من ساعة ويمكن إجراؤها باستخدام مخدر موضعي فقط، ويعتبر شفط الدهن بالليزر جراحة آمنة جدا ولا تنطوي على مخاطر تذكر مقارنة بعملية شفط الدهن التقليدية، وتستغرق فترة النقاهة نحو يوم أو يومين!.

ولليزر أيضا باع طويل في جراحات الفك والأسنان، فيستخدم في عمليات تبييض الأسنان وفي المعالجات اللبّيّة، مثل سد ثقوب جذور الأسنان مهما كانت متناهية الصغر، كما يستخدم في علاج أنسجة اللثة والأنسجة الداعمة، ويفيد في قياس حركة السن في مراحلها المبكرة، وفي التحليل الطيفي للعناصر اللاعضوية للقلح فوق اللثوي وتحته.

ويفيد استعمال شعاع الليزر اللين في حالات تهتك الأنسجة والقرحات الفموية واللسانية الناجمة عن الرضوض والقرحات القلاعية.

وفي جراحات الفم يستخدم ليزر ثاني أكسيد الكربون بشكل كبير، حيث ينجم عن الحرارة المرافقة لطاقته التي ترتفع فجأة ولأمد قصير تدمير الخلايا غير المرغوبة وما تحويه من جراثيم، وتمتص الأنسجة الرخوة ذات المحتوى المائي المرتفع طاقة شعاع الليزر بشكل جيد، أما النسج المجاورة للنسيج المستهدف علاجه فامتصاصها لأشعة الليزر يكون في أضيق الحدود.

وفي جراحات الليزر تلك، ينعدم النزف الدموي أو يكون في حدوده الدنيا، ولا تحدث التهابات في الأنسجة المجاورة للنسيج المستهدف، كما تتناقص احتمالات التلوث مقارنة بالجراحات التقليدية، ولا تترك الجراحة ندبات واضحة كالتي تلي الجراحات التقليدية.

وبالإضافة إلى ذلك، يتم تعقيم الأجهزة الطبية المستخدمة في تلك الجراحات عن طريق الليزر أيضا.

تطبيقات أخرى

أما الاستخدامات التكنولوجية والإلكترونية لليزر فلا حدود لها، فيكاد لا يخلو جهاز إلكتروني من استخدام الليزر، كما لا يخلو مصنع أو متجر أو منزل من جهاز يعمل بالليزر، وحتى في الشارع والأماكن العامة فتجد الجميع يستخدم أجهزة هواتف خلوية يستخدم فيها الليزر وبخاصة في تقنية البلوتوث.

- لكن أغرب وأحدث ما يمكن أن تراه في عالم الليزر هو (Bluetooth Laser Keyboard) أو لوحة مفاتيح الليزر التي تعمل من خلال البلوتوث.

- هذه الأداة الصغيرة تعرض صورة ضوئية افتراضية للوحة المفاتيح على أي سطح أملس يقابلها، ثم بإمكانك أن تضغط على المفاتيح الافتراضية بأصابعك، والأجمل أنها تصدر صوت نقرات تقنعك بأنك تكتب على لوحة مفاتيح حقيقية!.

- يمكنك استخدام هذه الأداة وأنت تكتب بريدا إلكترونيا لترسله عبر هاتفك الخلوي، دون الحاجة إلى معاناة كتابة نص طويل بالضغط على مفاتيح الجوال الضئيلة، كما أن ترتيب الأحرف على اللوحة مطابق لترتيبها على لوحة المفاتيح الحقيقية، وهذه الأداة الرائعة يمكنك حملها معك في أي مكان إلى جانب هاتفك الخلوي، فحجمها لا يتجاوز حجم مشط أعواد الثقاب!.

وتباع هذه الأداة عبر الإنترنت بسعر لا يتجاوز 150 دولارا أمريكيا ويبلغ حجمها 24*34*90 ملليمترا.

ليست هناك تعليقات: