الثلاثاء، 29 ديسمبر 2009


النبات ولمبات " ليد ".. علاقة لخير البشرية !! *

روناء المصري

صوبات زراعية مضاءة بلمبات "ليد"- موقع اسلام اون لاين

ما أن يضغط "روب بان" على مفتاح التشغيل لإنارة صوبه الزراعية تنطلق إضاءة قوية، لكنها في الواقع مختلفة عن غيرها؛ ذلك لأنها تمتزج مع النباتات المزروعة في علاقة فريدة من نوعها تصب لصالح خير البشرية؛ لأنها ببساطة تساعد على زيادة الإنتاج.

كانت هذه المقدمة مهمة للغاية حتى لا تقعوا في نفس الحيرة التي انتابتني عندما دعيت لمؤتمر علمي في هولندا، وكانت إحدى الجلسات تضم صاحب الصوب "روب بان" ومخترع وحدات الإضاءة "جون رويمانز".

فالعبارة الشهيرة "ما الذي جمع الشامي على المغربي" كانت تتردد على لساني، خاصة أن منظمي الجلسة لم يعلنا منذ بدايتها عن ماهية العلاقة التي تجمع بين الاثنين، وهي تلك العلاقة التي لم نعرفها إلا في نهاية حديث "روب بان".

وتعتبر الزراعة عن طريق الصوب هي إحدى الوسائل التي يلجأ لها "بان" صاحب شركات "كوبرت كريس"، والمتخصصة في تقديم النباتات ذات النكهات الغنية الخاصة لصنع الأطباق والمأكولات الشهية حول العالم.

عقول البطون

وفي بداية حديثه وصف "بان" استثماراته بأنها في مجال "عقول البطون"، وقبل أن ترتسم علامات الدهشة على الوجوه من غرابة هذا المصطلح اعترف صاحب شركة "كوبرت كريس" بأن مصطلحه قد يثير الاستغراب، ثم شرع في توضيحه، فقال: "نحن نسرع إلى ملء المعدة الخاوية بما نجده أمامنا دون أن نفكر كيف يمكن أن يكون هذا الطعام مفيدا أو ضارا بالنسبة لنا".

والتغيير الذي أحدثه "بان" هو أنه جعل البطون تفكر قبل تناول الطعام؛ لتتناول الأكل الصحي الذي لا يسبب الأمراض.

وفي هذا الإطار أوضح أنه لم يبتكر جديدا عن الأعشاب التي كانت تعرفها "الجدة"، لكنه فكر بأسلوب مختلف في التسويق، حيث قرر أن يقوم بدور "مهندس الطعام"، ووضع تصنيفا جيدا للمذاق الذي يخلفه تناول كل عشب على حدة، ثم حاول أن يتفنن في عمل الأطباق اللذيذة بالتعاون مع الطباخين من مختلف البلدان، كل على طريقته.

ويقول بان: "عندما أعجب الطهاة بأعشابي وشعروا بأهميتها في صنع مذاق فريد لأطباقهم بدأت تجارتي تجد رواجا في العالم كله، وصرت من المشهورين".

ويضيف: "يكفي أن يقوم الطاهي بالإصرار على الحصول على منتجاتي حتى تبادر المطاعم والفنادق إلى الحصول عليها وشرائها، وهذا ما أطلق عليه التسويق العكسي، وقد نجح".

الجودة وزيادة الإنتاج

لكن منتجات "بان" لم تكن لتحقق النجاح المطلوب إذا كان مستوى جودتها أقل من المطلوب، ويدين صاحب شركات "كوبرت كريس" في ذلك إلى وحدات الإضاءة "ليد".

فما هي العلاقة بين منتجاته ووحدات الإضاءة؟ سؤال منطقي أثاره هذا الاعتراف، وقبل أن يبادر أحد الحاضرين بسؤاله قدم "بان" رفيقه بالجلسة ومخترعها "جون رويمانز".

في البداية عرف "رويمانز" المقصود بـ"ليد led"، وهو الاسم الذي أطلق على وحدات الإضاءة.

وتعني "led" الدايودات الباعثة للضوء أو ما يعرف علميا باسم Light Emitting Diodes، وكما أوضح "رويمانز" فإنها تحقق أهدافا بيئية واقتصادية.

فعن الأهداف البيئية قال إنها توفر إضاءة أكثر محاكاة للطبيعة وللضوء العادي، ولا تؤدي إلى انبعاث طاقة حرارية أثناء التشغيل، وتقلل من انبعاث غاز الاحتباس الحراري CO2 ، وتحمي الجو والبيئة.

كما أنها لا تحترق بسهولة وتحمل فترة عمر تصل إلى خمس سنوات، إضافة إلى أن "اللمبة" نفسها غير قابلة للكسر كما يحدث في "اللمبات" العادية، ويمكن تدويرها لأنها مصنعة من بوليميرات خاصة يمكن إعادة استخدامها من جديد، وبعض الأجزاء الأخرى مصنعة من الألمنيوم المعاد تدويره، والذي يمكن إعادة استخدامه من جديد أيضا.

أما عن الأهداف الاقتصادية فهذا ما يعني "روب بان" صاحب شركات "كوبرت كريس"، وبسببها اعتبر "ليد" أحد أسباب نجاحه.

وتوفر "ليد" في هذا الإطار مقدار ما يعادل80% من الطاقة التي تحتاجها وحدات الإضاءة العادية، إضافة إلى ارتفاع كفاءتها التشغيلية عن تلك الوحدات، والأهم هو تأثيرها على الطاقة الإنتاجية للنبات، حيث ساعدت الإضاءة بهذه الطريقة على تحسين التمثيل الضوئي للنبات، وبالتالي رفع جودته وإنتاجيته في نفس الوقت.

كيف تعمل "ليد"

وتعمل "ليد" كما أوضح "رويمانز" وفق نظرية ضوء القمر، وبمزيد من التفصيل قال: يمكننا الرؤية بوضوح في هذا الضوء، وخاصة في الليالي المقمرة في بلادنا، وهو ما جعلني أسأل نفسي: كيف يحدث هذا؟

واستطرد: قرأت وبحثت عن الموضوع فعرفت أن بالعين ما يعرف بـ"العصويات rods" وكذلك "المخروطيات cones"، وتكون الأولى هي المسئولة عن الرؤية ليلا بينما تقوم الثانية بمسئولية الرؤية نهارا.

وكانت النتيجة التي خلصت إليها أن العصويات تستقبل أطوالا موجية مختلفة تماما عن تلك التي تستقبلها المخروطيات أثناء الرؤية نهارا، وتحتاج أيضا إلى شدة إضاءة مختلفة تماما.

وهذا ما فعلته في "ليد"، فالقليل من الضوء لكن بأطوال موجية معينة يحسن الرؤية ليلا كما يحدث وقت الليالي المقمرة ويجعلنا نرى بوضوح.

موقف طريف

ولم تخلُ الجلسة من الفكاهة، ولكنها فكاهة علمية كان مصدرها شرح "رويمانز" أسلوب عمل "ليد".

ففي أثناء تجربتها في أحد الأنفاق المظلمة بهولندا لاحظ العلماء إضاءتها القوية التي بهرت العيون، ومع ذلك فإن الأجهزة الدقيقة جدا الموجودة بالنفق لم ترصد أي ضوء.

وقال العلماء لرويمانز: إن الأجهزة لم ترصد الضوء، وإن هذا المكان معتم!!

لكنه سألهم: إذا كانوا يرون الضوء المنبعث من "اللمبات" أمامهم أم لا؟ فأجابوا: نعم!! لكنهم أضافوا أن الأجهزة لم ترصد الضوء، وبالتالي لن يستطيعوا إعطاءه أوراقا رسمية للاختراع!!

ووقع الجميع في حيرة من أمرهم، وتساءلوا ما سبب عدم قراءة الأجهزة للضوء الباهر المنبعث من لمبات "ليد"؟

الإجابة ببساطة هي: أن الإضاءة بطريقة "ليد" تقع في منطقة ما بين اللون "الأزرق والأخضر"، وهي منطقة خاصة جدا بالعصويات الموجودة في العين البشرية أثناء الليل، لكن الأجهزة المصممة لبحث وقياس شدة الاستضاءة إنما مصممة على منطقة اللون الذي تراه المخروطيات الموجودة في العين البشرية نهارا.

وشرح "رويمانز" أن ضوءه الجديد ينبعث في مناطق اللون الأخضر والأزرق والأبيض وأن إضاءته باردة ولا تسبب الحرارة، وهو الأمر المختلف عن الإضاءة المتعارف عليها، والتي تنبعث في مناطق الأحمر والأصفر، مما يؤدي إلى انبعاث حرارة منها.

فمن تصدق.. عينيك أم الأجهزة؟ العين انتصرت في النهاية وحصل رويمانز على براءة اختراع لابتكاره الذي أهله للفوز بجائزة المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2009 كأحسن ابتكار علمي جديد.

--------------------------------------------------------------------------------

صحفية مهتمة بالشأن العلمي والتنموي، ويمكنك التواصل معها عبر البريد الإلكتروني للنطاق namaa@iolteam.com

ليست هناك تعليقات: