الطاقة الكهربائية في تونس بين العرض والطلب
مافتئت الطاقات البديلة تكتسب اهتماما متزايدا
في البلاد التونسية في ظل تناقص مصادر الطاقة التقليدية وقابليتها للنفاذ مع تزايد
المشاكل البيئية التي تتسبب فيها وتأثيراتها على المناخ وصحة الإنسان، "اعتبارا
أن هذه الطاقات كفيلة بتحقيق المعادلة
الأصعب وهي الموازنة بين توفير الطاقة والحفاظ على البيئة.
ولئن شرعت تونس
بالفعل في محاولة الاستفادة من إمكانياتها في توليد الطاقة من أشعة الشمس والرياح،
انطلاقا من عوامل اقتصادية ومعطيات بيئية فإن هذا التمشي يواجه عدة معوقات ذات صبغة اقتصادية وترتيبية
وقانونية؟
سلمى خليفة – تونس
تسهم الطاقات المتجددة
حاليا ب3 بالمائة في شبكة الكهرباء بتونس، في حين تسعى إلى أن تبلغ حصتها 30
بالمائة بحلول سنة 2030. وعملت لذلك البلاد التونسية على وضع خطة حاولت من خلالها ضبط
الإطار التشريعي لتهيئة المناخ الاستثماري في هذا المجال.
الطاقة الشمسية - تونس |
إن تونس تعاني تزايدا للطلب على الطاقة الكهربائية، على
غرار الكثير من دول العالم، مع تزايد الاستهلاك سواء المنزلي أو الأنشطة
الاقتصادية التي تحتاج إلى الكهرباء. ويسجل استهلاك الكهرباء ذروته خلال فترة
الصيف، للإقبال الكثيف على التكييف إضافة إلى الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية
الموسمية. هذا التزايد المستمر لاستهلاك الكهرباء المقدر سنويا ب4 بالمائة، والذي يمكن
أن يصل إلى 14 بالمائة خلال الذروة، يستدعي النظر في كيفية تعامل الدولة التونسية
تجاهه.
هذا و تسد تونس نسبة كبيرة من احتياجاتها اعتمادا على مواردها المحلية إضافة إلى إيرادات رسوم مرور
الغاز الجزائري عبر الأنابيب على الأراضي التونسية في اتجاه أوروبا. أما نسبة النفط
والغاز والطبيعي التي تستوردها من الخارج لاستغلالها في إنتاج الطاقة الكهربائية ،
فهي في تزايد مطرد نظرا إلى تسارع نمو
الطلب على الكهرباء مقابل بطئ نمو الإنتاج المحلي. وتنبئ هذه المعطيات باحتمال
حدوث نقص وتراجع في إنتاج الكهرباء ، خاصة مع الدعم الكبير الذي يتمتع به قطاع
الطاقة والذي يبلغ 5 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي في السنوات الأخيرة، مما
يثقل كاهل الدولة ويضغط على ميزانيتها. وهذا ما دفع البلاد التونسية إلى مراجعة بعض
العناصر في سياستها الطاقية وتوجهها نحو
تنويع مصادر الطاقة بالاعتماد على الطاقات المتجددة.
توجه
نحو اعتماد أكبر للمصادر المتجددة ضمن المزيج الطاقي التونسي
تغطي شبكة الكهرباء في تونس أكثر من 95 بالمائة من أراضي
البلاد وتزود 3,837 مليون حريف، حسب إحصائيات الشركة التونسية للكهرباء والغاز
لسنة 2016، وتعد هذه الشركة-وهي حكومية- اللاعب الأهم والوحيد في مجال الطاقة
الكهربائية في تونس وذلك منذ تأسيسها سنة 1962. إذ تحتكر تقريبا عمليات إنتاج ونقل
وتوزيع الكهرباء.
فقد بلغ إنتاج الشركة 18141 جيغاوات ساعة سنة 2016،
تعتمد فيه بنسبة 97 بالمائة على الطاقة الأحفورية مقابل 3 بالمائة فقط على الطاقة
المتجددة والمتمثلة أساسا في الرياح. حيث قامت، منذ سنة 2000، بتركيز أول محطة
هوائية بقدرة مركزة تبلغ 20 ميغاوات بشمال شرقي البلاد، شهدت فيما بعد عملية توسعة
لتبلغ 35 ميغاوات. كما بعثت الشركة مشروع
تركيز محطتين هوائيتين جديدتين بقدرة 70 ميغاوات لكل واحدة منها في شمال البلاد (ولاية
بنزرت)، حيث بلغت القدرة المركزة الجملية للمحطات الهوائية 233 ميغاوات إلى موفى
2015.
وبدأت في هذا الإطار اللاقطات الفوطوضوئية تنتشر على
أسطح المباني بهدف الاستغلال المنزلي بتشجيع
من الشركة التونسية للكهرباء والغاز. إذ أطلقت هذه الأخيرة منذ سنة 2010 برنامجا لتشجيع الطاقة
الشمسية في الضغط المنخفض، حيث تقدم للمستفيدين دعما يصل إلى 30 بالمائة من كلفة
التركيز وتمكنهم من قروض ميسرة على مدة 5 سنوات. وتقدر القدرة المركبة لهذه
الألواح الشمسية بحوالي 37 ميغاوات، وقد بلغ عدد المشاريع من هذا النوع 33077
(2016) حسب تقارير الشركة.
لا تزال إنجازات تونس في مجال الطاقات المتجددة متواضعة
ومحدودة إلى حد الآن، إلا أن البرنامج الذي وضعته البلاد للفترة القادمة وإلى حدود
2030 يعتبر إلى حد ما جديا وطموحا. إذ تنص أهداف البرنامج على إنتاج طاقة تبلغ
1000 ميغاوات خلال الفترة الممتدة بين 2017 و2020، على أن يرتفع إلى 1250 ميغاوات
بحلول سنة 2030. وانخرطت شركة الكهرباء والغاز الحكومية، في هذا البرنامج من خلال
بعث مشروع بقدرة مركبة تقدر ب10 ميغاوات بجهة توزر(الجنوب الغربي التونسي). كما قامت
ببرمجة عدة مشاريع أخرى لسنة 2020 تعتمد على طاقة الرياح بقدرة مركبة 80 ميغاوات،
و300 ميغاوات بالنسبة للطاقة الشمسية.
فالشركة التونسية للكهرباء والغاز غير مهيأة بديهيا إلى
التبني الكلي لمشاريع تركيز محطات توليد هذا النوع من الطاقات البديلة لأسباب قد
تكون مالية بالأساس وتقنية. فقد فتحت
الدولة التونسية في هذا السياق الباب للمستثمرين الخواص (تونسيين أو أجانب) للعب
دور في هذا القطاع، وهذا ما يفسر سعيها إلى ضبط الإطار القانوني الذي ينظمه كخطوة
عملية نحو تفعيل الأهداف المرسومة والذهاب بعيدا في مجال الطاقات المتجددة خاصة مع
تمتع البلاد التونسية بقدر ليس بالقليل من هذه الموارد.
الإطار التشريعي ومدى نجاعته في إرساء مكانة قوية للطاقات المتجددة في تونس
جاء القانون المتعلق بإنتاج الكهرباء من الطاقات
المتجددة في 45 فصلا، مبوبة في سبعة أبواب. وهو يهدف إلى تحديد النظام القانوني
المتعلق بإنجاز مشاريع إنتاج الكهرباء من مصادر الطاقات المتجددة إما بهدف الاستهلاك
الذاتي أو لتلبية حاجيات الاستهلاك المحلي أو بهدف التصدير، كما يهدف إلى ضبط
النظام القانوني المنطبق على المنشآت والتجهيزات والمعدَات الضرورية لتأمين عملية
إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة ونقله.
الطاقة الشمسية - تونس |
يمكن، بمقتضى
هذا القانون، لكل جماعة محلية أو مؤسسة عمومية أو خاصة ناشطة في قطاعات الصناعة أو
الفلاحة أو الخدمات أن تنتج الكهرباء من الطاقات المتجددة بهدف تلبية استهلاكها
الذاتي، كما يحق للمنتج نقل انتاجه من الكهرباء عبر الشبكة الوطنية للكهرباء إلى
مراكز استهلاكه. أما فائض الإنتاج فيلتزم الهيكل العمومي، المتمثل في الشركة
التونسية للكهرباء والغاز، بصفة حصرية بشرائه من المنتج في إطار عقد نموذجي تصادق
عليه سلطة الإشراف على قطاع الطاقة (وزارة الطاقة والمناجم والطاقات المتجددة) وذلك
حسب شروط تضبط بأمر.
كما يسمح
القانون، انطلاقا من الفصل 26، أن تنجز
مشاريع إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة بهدف تصديرها في إطار عقود لزمات مع
مراعاة الحاجيات الوطنية من الطاقة المذكورة ويتم تصدير الكهرباء المنتجة من
الطاقات المتجددة عبر خط مباشر لنقل الكهرباء أو عبر الشبكة الوطنية للكهرباء إذا
كانت القدرة التقنية للشبكة تسمح بذلك.
فمشاريع إنتاج الكهرباء من الطّاقات المتجددة "تنجز
في إطار الحاجيات و الإمكانيات التي يتم ضبطها بالمخطّط الوطني للطّاقة الكهربائية
من الطّاقات المتجددة". إذ يضمن القانون إذن الحق في إنتاج الكهرباء من
الطاقات المتجددة سواء بهدف الاستهلاك الذاتي أو التصدير، لكنه يحصر ذلك بعدد من
الشروط المتعلقة بقدرة وإمكانيات الشبكة الوطنية للكهرباء –وهي نوعا ما متواضعة- على
استيعاب الكهرباء المنتجة والتصرف فيها. فالهيكل العمومي باعتباره مرفقا حيويا في
الدولة ودعامة من دعائم اقتصادها، متمسك بإشرافه على قطاع الكهرباء وحذر من
التفريط للخواص مجال إنتاجه من الطاقات المتجددة. و يتطلب إنتاج الكهرباء من
الطاقات المتجددة بهدف التصدير وجود سوق تستقبلها، وهي السوق الأوروبية بالأساس،
إلا أن بلدان الإتحاد الأوروبي وخاصة تلك القريبة من دول شمال إفريقيا مثل إيطاليا
واسبانيا تشهد فائضا في الإنتاج المحلي للكهرباء من الطاقات المتجددة.
وتجدر الإشارة
إلى أنه لم يتم الإعلان عن دراسة مالية لسعر تكلفة الكهرباء من الطاقات المتجددة،
وقد اقتصر القانون في الفصل 22 منه على التنصيص بأنه "تضبط تعريفة الكهرباء
بمقتضى قرار من الوزير المكلّف بالطّاقة بحسب مصدر الطاقة المعتمد" . وهذا ما
يجعل مستقبل هذا القطاع تسوده بعض الضبابية فيما يتعلق بجدواه الاقتصادية خاصة في
الوقت الراهن الذي يقتضي بصفة أولى التخفيف من أعباء الميزانية ودعم القدرة الشرائية
للمواطن.
لئن يندرج اهتمام تونس بالطاقات المتجددة ضمن سياق عالمي
يراهن على هذه المصادر لرسم مستقبل جديد للطاقة، ويتخلى تدريجيا عن المصادر
التقليدية المعروفة فان هذا التوجه ناشئ أيضا أساسا على ضرورة آنية ملحة اعتبارا أن المصادر الأحفورية المعروفة على غرار
الفحم والبترول والغاز الطبيعي. غير متجددة وبالتالي فهي محدودة ومهددة بالنفاذ
والنضوب مع مرور الوقت.
مما أجبر الدولة على استيراد كميات من هذه المواد لسد
احتياجات البلاد من الطاقة لاسيما ان تطوير حقول الغاز الطبيعي في تونس لا يعتبر الحل
الأنسب خاصة أن هذه الاحتياطات تظل محدودة وغير مضمونة على مدى طويل كما أن أصناف
الوقود الاحفوري التي تمثل إلى حد الآن المصدر الأساسي للطاقة في العالم ، لها
مخاطر على البيئة.
عوامل موضوعية حدت بالدولة التونسية إلى البحث عن توفير
موارد بديلة للطاقة تعترضها عوائق هيكلية
ومادية وهيكلية أصبحت الدولة مدعوة إلى تجاوزها والسيطرة عليها في ظل وضع
سياسي واقتصادي هش ربما لا يوفر منطلقا
موضوعيا للنجاح على المدى القريب ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق