الأحد، 31 أكتوبر 2010

السمع والتوازن في أصغر الأجزاء تحكُّماً في أجسادنا

           
لقاء/ صقر الصنيدي-الثورة

موجة من الضحك كان يمكن أن يطلقها أطباء منتصف القرن الماضي وهم يتلقون المعلومة التي تقول إن مهمة الأذن ليس فقط مجرد السمع وأن لديها مهمة أكثر تعقيداً من ذلك وهي التحكم في توازن أجسامنا والسيطرة على حركتنا وإن عدم معالجة القدرة في التحكُّم بحركاتنا تتم من خلال الأذن - السواد الأعظم من أطباء اليوم يعرفون ذلك ويزيدون من تمجيد هذا الجزء الصغير في أجسادنا ويسعون إلى فهم كيفية القيام بعمل توازن كلي لحركتنا من منطقة لا تتجاوز في مساحتها اسم وهو ما يزيد التعامل معها تعقيداً وصعوبة - وإن كان التخصص في السمع والتوازن نادراً على مستوى عالمي فهو أكثر من ذلك في المستوى المحلي رغم أهميته القصوى، إلا أنه خارج الاهتمام، وعندما اختار الدكتور/ رضا عبدالصمد الأغبري هذا التخصص فقد تحلَّى بالجرأة وربما المغامرة في الخوض بعلم لا يزال ينمو ليعيد ترتيب أوراق الطب مجدداً ويزيل مفهومات متراكمة جلبتها تجارب لم تكن دقيقة، وقد حصل الدكتور/ رضا الأغبري على الدكتوراه في التخصص المتفرع من الأنف والأذن والحنجرة من إيطاليا ويعمل حالياً أستاذاً للمادة في كلية طب العلوم والتكنولوجيا ويشعر أنه كان موفقاً وهو يشق طريقه نحو جزء متناهي الصغر يدير حركة الإنسان وأي خلل فيه يولِّد اضطرابات لا يمكن التوقع بمصدرها الدقيق.

عملية التوازن
* كيف يمكننا أن نستوعب عملية تحكُّم الأذن في التوازن والذي لولاها لأحسسنا أن أجسادنا تسبح في الفضاء كما قال العلماء؟!
- إنها عملية معقّدة يمكن شرحها بالتالي: فالأذن الداخلية لديها شقان ما يُعرف بالدهليز والقنوات الهلالية والقوقعة، وهذه الأخيرة تختص بدراسة الموجات الصوتية وتحويلها إلى الدماغ حتى تتم عملية السمع، بينما الدهليز والقنوات الهلالية تهتم بالتوازن وإيصال المعلومات الكافية عن وضع الجسم في الفراغ، وقد اتضح أن فقدان القدرة لهذه الأجزاء يعني فقدان الاتزان والشعور بجسم طائر غير متزن، وهناك مناطق في الأذن الداخلية تتولى مسئولية المحافظة على الجسم في وضع مستقيم وأخرى تتولى مسئولية حركة الجسم المستمرة وبداخل هذه القنوات الأهداب الحسية التي ترسل إشارات دائمة لا تنقطع عن وضع الجسم لتعديله بشكل مباشر وسريع ليبقى دائماً في الوضع المطلوب.

من أهم الأجهزة
* هل يمكن القول إن الأذن هي مركز توازن الجسم الوحيد؟
- هناك تكامل بين الأجزاء الدماغ وجذع المخ والأذن والعين والمجسَّات العصبية، إلا أن الأذن من أهم أجهزة التوازن وهي الأكثر عرضة للأمراض التي قد تؤدي إلى فقدان التوازن والأذن الداخلية تحديداً مصدر لتوازن الإنسان الذي لا يحتاج بفضلها إلى عضلات كثيرة وقوائم كثيرة كما هو حال المخلوقات الأخرى التي تسير على أربع قوائم بينما الإنسان على قدمين ويسيطر تماماً على توازن حركته بفضل جهاز التوازن الموجود في الأذن.

مرض الدوار
* يعني هذا أن أمراض الدوار "الدوخة" ترتبط بخلل موجود داخل الأذن أم خارجها؟!
- معروف لدى المختصين أن أي عِلَّة بأي من قنوات الاتزان في الأذن الداخلية ينتج عنه إحساس بالدوار سواءً بإحساس الشخص أن كل ما هو حوله يدور أو أنه هو ذاته يدور وما حوله ثابت وهناك أسباب عديدة تؤدي إلى هذا منها ما هو بالأذن وما هو خارجها، فحدوث التهابات الأذن المزمنة التي تصيب قنوات الاتزان أو عصب الاتزان الدهليزي تؤدي إلى الدوار وأيضاً مرض استسقاء الأذن الداخلية والمعروف بمرض منيرز يجعل المريض يشكو من دوار مصحوب بضغط في إحدى الأذنين أو كليهما وحدوث طنين وتأتي على شكل نوبات.. كما يؤدي ورم العصب السمعي والدهليزي إلى الدوار المصحوب بالطنين وضعف السمع عند الترددات العالية.
وهناك نوع من الدوار يطلق عليه الدوار الحميد الموضعي المؤقت وهو أكثر أنواع اختلال - التوازن شيوعاً - ويأتي على شكل دوار حاد لمدة ثواني أو دقائق ويأتي نتيجة تغيُّر وضع الجسم أو الرأس من جهة إلى أخرى، مثال ذلك حدوثه أثناء التقلُّب في النوم أو الجلوس و النظر إلى أعلى، ومن تحدَّث لهم هذه الأعراض يُفترض بهم البقاء في مكان ثابت لمدة دقائق وعدم الحركة بصورة مفاجئة وعدم قيادة السيارة أو أي أعمال يدوية وعدم الصعود إلى أماكن عالية مفتوحة.

المعالجـــــــــــة
* كيف تتم عملية المعالجة الصحيحة لمثل هذه الحالات الشائعة؟
- يتولى المختص الذي يتعرَّف عند الحالة أخذ التاريخ المرضي وإجراء الفحوصات الخاصة بالاتزان كالفحص الحراري بالماء الساخن والبارد وفحص التوازن بصورة عامة بإجراءات إكلينيكية ومعرفة مدى تأثير بعض الوضعيات على المريض وقد تحتاج إلى فحوصات أعمق منها الرنين المغناطيسي والأشعة المحورية المقطعية، ثم تبدأ مرحلة العلاج بإجراء بعض الحركات الضرورية للرأس والجسم في حالات الدوار الحميد الموضعي المؤقت ويتم إرشاد المريض بالقيام بتدريبات وتمارين لما يعرف بإعادة تأهيل المريض تدريجياً بصورة دورية، ويقوم أيضاً بإيقاف كل العقاقير التي تؤدي إلى دوار إذا لم تكن ضرورية لأسباب طبية أخرى، وهناك أدوية توصف لبعض المرضى وتعمل على تخفيف الشعور بالدوار، والقليل من الحالات تستدعي تدخُّلاً جراحياً أما البقية فيتم عمل جلسات إعادة تأهيل ويتعافون من الجلسة الأولى أو الثانية.

مرض الطنين
* من الأمراض الشائعة المرتبطة بالأذن حدوث الطنين داخل الأذن بصورة مزعجة.. ما هي الأسباب؟!
- مرض الطنين مرض مزعج جداً وقد يكون السبب داخل الأذن أو خارجها في العصب الثامن أو الدماغ أو أماكن أخرى تتعلق بمفصل الفك أو تتعلق بضغط الدم أو باستخدام أدوية مثل أدوية السل والإكثار من الأسبرين والمنبهات والمضادات الحيوية التي تصيب الأذن الداخلية بالسموم، وإلى الآن يصعب الوصول إلى تشخيص سببي دقيق.
ولدينا نصائح هامة لمرضى الطنين أهمها عدم التعرض للضوضاء والموسيقى الصاخبة وأصوات الألعاب النارية أو الرصاص بكل أنواعها، وعدم استخدام الأدوية إلا بمراجعة طبيب مختص وتجنُّب شرب القهوة والشاي والنيكوتين والقات، والابتعاد عن الإجهاد وتجنُّب الهدوء التام وفي أجواء الهدوء يُفضَّل الاستماع إلى أصوات رقيقة كنافورة مياه أو موسيقى هادئة وممارسة التمارين الرياضية والمشي وعدم التفكير بالطنين والإيمان بإمكانية زواله وسيصبح الوضع أفضل بفضل هذه النصائح التي أثبتت جدواها.

فقدان السمع والتوازن
* هناك من يشتكي تدهور السمع وفقدان التوازن.. ما هي هذه الحالة المرضية؟!
- تعد هذه الشكوى شائعة وهي تدهور للحالتين معاً السمع والتوازن على حد سواء وتحدث نتيجة لزيادة السائل الليمفاوي الداخلي في الأذن الداخلية ويعد مرضاً مزمناً قد يستمر عشرات السنوات وتطوره يأخذ فترة طويلة وقد أوضحت الأبحاث العلمية أن فيروساً يصيب الأذن الداخلية ولا يكتشف السبب إلا بعد تشريح عظم القواقع ولا يتسنى ذلك إلا بعد وفاة المريض والهدف منه علمي للوصول إلى السبب المجهول حتى الآن.

التقدُّم بالسن
* هل هناك علاقة للتقدُّم بالسن وتدهور السمع؟
- الكثير من الأمراض تصيب الشيخوخة وتؤدي إلى تدهور السمع أو فقدانه منها: السكتة الدماغية التي تُحدث انتكاسة لكثير من  أعضاء الجسم كالعين والمفاصل والأذن والعضلات والدماغ، وهذه بدورها تؤدي إلى فقدان التوازن وحتى في حالة التقدُّم في الشيخوخة يمكن معالجة المسببات وإعادة التأهيل للمريض فيعود إلى توازنه.

ليست هناك تعليقات: