أهمية العلم والتكنولوجيا في وسائل الإعلام العربية
عمر الحيـــــــــــــــاني
نشرت بمجلة تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات عدد رقم (109) يوليو2010م
لم يبرز العلم في وسائل الإعلام بصبغة إعلامية تظهر له الصدارة في الاهتمام الإعلامي إلا في اطر ضيقة , لا تعبر عن جوهر العلم ومدى أهميته للبشرية اليوم وغدا , و هو ما لا يعد ردا ايجابيا من وسائل الإعلام , لما قدمته العلوم والتكنولوجيا من تقنيات ووسائط جعلت الإعلام يطلق العنان في صنع التأثيرات والمتغيرات العالمية بايجابياتها وسلبياتها, وأصبح من يملك التقنية والإعلام يملك التحكم بالعالم , من خلال تأثيره الهائل في تشكيل الرأي العالمي برمته.
وضمن هذا الإطار أدركت الشعوب وخاصة في الدول النامية أن الإعلام كان ولا يزال له دورا كبير في تشكيل اتجاهات المجتمع وميوله فكانت البداية في الاتجاه السائد نحو تعزيز دور العلوم في وسائل الإعلام من خلال إبراز حيز هائل من المساحة لتناول العلوم والتكنولوجيا وانجازاتها .
اهمية التعاون
وقد جاء انعقاد مؤتمر مبادرات في التعليم والعلوم والثقافة بين أمريكا والدول الإسلامية من 16-19يونيو2010م والذي احتضنته مكتبة الإسكندرية بأرض الكنانة مصر ,والذي شارك فيه كوكبة من العلماء ورجال الدين والقادة والسياسيين وخبراء التعليم وطلاب الجامعات وخبراء التكنولوجيا والمكتبيين من أكثر من 40 دولة، إضافة إلى مشاركة ممثلين للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة “الإيسيسكو”، وجامعة الدول العربية,بادرة تعد الأولى من نوعها .
حيث ركز المؤتمر على أهمية التعاون العلمي بين الدول المتقدمة والعالم العربي في مجالات العلوم والتعليم والثقافة , حيث تخللت كلمة الدكتور إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الإسكندرية الافتتاحية للمؤتمر بأن مناقشات المؤتمر تركز على ثلاثة محاور أساسية تتعلق بالتعليم، والثقافة، والعلوم والتكنولوجيا، وقد تم مناقشة كل من هذه المحاور الثلاثة من خلال أربع مسارات تتعلق بتكنولوجيا المعلومات، والإعلام، والمرأة، والشباب.
شبكة اجتماعية رقمية
شبكة اجتماعية رقمية
بالإضافة إلي أن المؤتمر ناقش عدد من المشروعات والأنشطة المحددة التي تركز على بناء شبكة اجتماعية رقمية تعمل على الربط بين الأفراد، وخاصة الشباب، إضافة إلى مناقشة عدد من الشراكات بين المؤسسات والمنظمات التعليمية والعلمية ومنظمات المجتمع المدني وغيرها سواء في الولايات المتحدة ومصر والدول العربية والإسلامية أو غيرها من الدول، والعمل على متابعة تنفيذ هذه المشروعات بعد انتهاء أعمال المؤتمر وقد كان هناك تركيز شديد سواء خلال ورشات أو جلسات أو مداخلات المؤتمر على أهمية وسائل الإعلام في نشر العلوم والثقافة العلمية , حيث ركزت النقاشات على ضرورة مراجعة سياستنا الإعلامية في الوطن العربي من خلال إيجاد إعلام هادف يهتم بتنمية وتثقيف المجتمع في المجال العلمي في ظل فقدان صلة وسائل الإعلام العربية بالعلوم والتكنولوجيا من جهة والعلماء والباحثين العلميين من جهة أخرى , ولعل هذا راجع لتراكمات سلبية بين الإعلام العربي والعلماء والصحفيين وجمهور القراء في ظل الاتجاه العام العربي نحو الاهتمام بوسائل الإعلام والعزوف عن الكتاب الورقي .
فبينما يقبع العلماء بعيدا عن الإعلام ووسائله يمارس الصحفيون هوايتهم في اختصار العلم بأسلوب ضيق افقد العلم أهميته ومحتواه , والسبب عدم وجود رابط بين الصحفيين وذوي الاختصاص في العلم للحصول على لب الحقيقة , إلي جانب نقص التأهيل العلمي في فنون الإعلام العلمي باعتباره تخصص يقوم على الاحتكاك بمختلف تخصصات العلوم .
فجانب المهارات الصحفية وحدها لا تجعلك مؤهلا لتكون إعلامي علمي فأنت تحتاج إلي ثقافة علمية واسعة , فالصحفي يتعامل مع غموض المعادلات وبحور من النظريات والافتراضات والقوانين العلمية التي تحتاج لمهارة عالية في سبيل تحويلها إلي مادة صحفية , سهلة الفهم على جمهور القراء والمستمعين والمشاهدين والمتصفحين وإلا فقد الإعلام بساطته وأصبح إعلام أكاديمي وهذا مالا يجب الوقوع فيه .
اللغة المشتركة
اللغة المشتركة
فالعلماء يفهم بعضهم البعض بلغة علومهم , ولكن يجب أن يصل هذا الفهم بطرق مختلفة إلي المجتمع وان تكون هناك لغة مشتركة بين العلماء والإعلاميين والجمهور واللغة المشتركة هي لغة الإعلام باعتبارها اللغة ا الأسهل والأكثر تأثيرا ,وهنا يبرز تساؤل لدى البعض وما حاجة الناس لفهم العلوم وأحداثها ؟
وللإجابة فلننظر إلي مسائلة التغيرات المناخية التي يحذر منها العلماء من المتسبب فيها أليست البشرية جمعا ! طبعا الجميع مشتركون في التلوث والكوارث وهنا تبرز أهمية إدراك وفهم مختلف شرائح المجتمع لأهمية حماية البيئة ومشاركتهم في الحد من التلوث وأهمية التحول إلي الطاقة النظيفة وتقليل الاستهلاك ألتبذيري .
ولنا نظرة أخرى على توجه طلاب الثانوية بعد تخرجهم في الوطن العربي واليمن بالذات فاغلب الإحصائيات الرسمية تتحدث أن نسبة 80% من الطلاب يتجهون نحو التخصصات الإنسانية ,ليس لبساطتها ولكن لان هناك فجوة وهوة سحيقة لا تبين أهمية العلوم الحديثة في التقدم الحضاري .
فنحن بحاجة إلي إعلام يعمل على تشجيع الشباب على الانخراط في مجالات العلم والتخصصات العلمية في الهندسة – المياه –البيئة – الطاقة النظيفة –النانو تكنولوجي الخ
فالإعلام يلعب الدور الرئيسي في تشكيل الجيل الجديد من الشباب وتشكيل الرأي العام وثقافته وتفكيره الذي يجب أن يكون الغرس فكر علمي بعيدا عن الخرافات والعبودية والجهل وإلا فقد العلم أهميته , فعندما يصور الإعلام العلماء أنهم أناس منعزلون ومحبطون وغير مهمين في المجتمع ويعيشون في أماكن مغلقة ولا يحبون كثرة الحديث والكلام فهذا بدوره يشكل جيل كاره للعلماء والعلوم ,فصورة العلماء العرب كما تصورها الأفلام العربية لدى الغرب بأنهم يبدعون ويتميزون لكنهم يتعرضون في النهاية للاغتيال كما حدث لعالمة الفيزياء المصرية سميرة موسى ومصطفى مشرفة , ورغم ذلك لا تشكل ظاهره فالعلماء المسلمون في الغرب يلقون الاهتمام والتقدير الكبيرين و لازالت جهودهم مستمرة في الاستقطاب سواء من خلال الجامعات أو مراكز البحوث !
العلم ....وصناعة الاعلام السينما
العلم ....وصناعة الاعلام السينما
ولعلنا هنا نتوقف قليلا ونذهب إلي بلاد الإعلام والتمثيل أمريكا ففي ثمانينات القرن العشرين كان هناك حاجة لأطباء يعملون في الحقل الجنائي في أمريكا و في ذلك الوقت كانت الأفلام تعمل على تكريس صورة نمطية لأطباء الحقل الجنائي بأنهم أمراض نفسيون يعانون من الهواجس الانتحارية , فكيف تمت معالجة هذه القضية ؟ اتجهت الأفكار نحو هوليود صانعة الشيطان في صورة ملاك لتنتج أفلام تمجد الطب الجنائي فكانت النتيجة إقبال غير عادي من الطلاب والأطباء على حد سواء نحو العمل في حقل الطب الجنائي .
يقول عالم الرياضيات والفيزياء المصري مصطفى مشرفة 1898م-1950م أن على العلماء تبسيط كل جديد للمواطن العادي حتى يكون على إحاطة كاملة بما يحدث من تطور علمي.. يوجه كلامه إلى العلماء قائلاً: "ومن الأمور التي تؤخذ على العلماء أنهم لا يحسنون صناعة الكلام؛ ذلك أنهم يتوخون عادة الدقة في التعبير ويفضلون أن يبتعدوا عن طرائق البديع والبيان، إلا أن العلوم إذا فهمت على حقيقتها ليست في حاجة إلى ثوب من زخرف القول ليكسبها رونقًا؛ فالعلوم لها سحرها، وقصة العلم قصة رائعة تأخذ بمجامع القلوب؛ لأنها قصة واقعية حوادثها ليست من نسج الخيال".
فرحابة العلم وسعته وبينهما الإعلام وسلطته , والجمهور ورغبته يقف العلم والعلماء على حافة أطراف تتجاهله على الرغم من أهميته وجوهرتيه في أي تنمية ونهوض علمي وبالذات في الوطن العربي الذي يعاني من تخلف علمي وتكنولوجي يأتي في أدنى السلم العالمي على كافة الأصعدة .
مجتمع قائم على المعرفة
وعند الحديث عن مفهوم العلم والعلوم فليس المقصود هنا أستيرادها واستهلاكها كما تاتي من مصدرها او ممن يمتلكها حاليا " الغرب " بل أن مفهوم العلم هو الحصول على آخر ما توصل إلية الإنسان ثم الانطلاق بأقصى سرعة نحو توطينها من خلال الاهتمام بالبحث العلمي والتقني والصناعي......فالعلوم كشلال مياه متدفقة....
لا تتوقف آو تستريح ولا تترك لك فرصة لالتقاط الأنفاس فأنت تقف حيثما انتهيت , فالبحث العلمي هو أساس النهوض والتطور في عصرنا هذا حيث بات من يملك التقنيات وأسرارها هو سيد الموقف ,بينما الأمم المتخلفة تكنولوجياً يسهل هزيمتها عسكرياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً. والأمثلة كثيرة بدءً من التطور التكنولوجي والاتصالات والأقمار الصناعية والإنترنت وغيرها فبينما تعمل الدول الغربية على البحث الدائم الدؤوب والتطوير المستمر وتصرف المليارات على البحث العلمي نجد الدول العربية تصرف المليارات على الفضائيات الهابطة والحفلات والرقص وغيره, لذا لا عجب أن نجد تلك الهوة الساحقة بين الدول العربية وغيرها من الأمم.
إن الإعلام يجب أن يغرس مفهوم العلم وأهمية البحث العلمي أولا من اجل بناء مجتمع قائم على المعرفة وقادر على مواجهة التحديات وإيجاد الحلول العلمية القادرة على بناء مجتمع حضاري في ظل سباق عالمي نحو إيجاد قاعدة علمية قادرة على حل مشكلات مزمنة ومتوقعة قد تواجه البشرية خلال العقود القادمة .