الجمعة، 4 يوليو 2014

الجسد البشري حاسوباً



الجسد البشري حاسوباً

واشنطن - «الحياة»
لنعد بالذاكرة إلى الوراء قليلاً. في مطالع العام 1996، اجتاح العالم خبر استنساخ النعجة «دوللي». وترافق ذلك مع اشتعال نقاشات طاولت العلم والمعرفة والأخلاق والفلسفة والاجتماع والسياسة والقانون وغيرها.
ولم يكتب لتلك الجمرات الحارقة أن تبرد، إذ افتتح القرن الـ21 على التوصّل إلى قراءة المعلومات المتضمّنة في الشيفرة الوراثية عند الإنسان، التي يشار إليها تقنياً بإسم الجينوم.
ومنذ العام 2001، صارت المعلومات الوراثية التي تتضمنها النواة في خلايا البشر، مكشوفة أمام أعين البشر. وتوّج ذلك الأمر جهوداً استُهِلّت في العام 1990، حين أطلقت الولايات المتحدة «مشروع الجينوم البشري» Human Genome Project. وبيّنت أن المشروع يسعى الى قراءة المعلومات الوراثية للإنسان التي تحملها 3 بلايين «قطعة» تتوزع على 23 كروموزوم في الحمض الوراثي («د ن أ» DNA) الموجود داخل نواة الخلية.
ورصدت أميركا 3 بلايين دولار للمشروع، بالتعاون مع البرازيل واليابان والاتّحاد الأوروبي. وبعد سنتين من استنساخ «دوللي»، ظهر منافس لـ «مشروع الجينوم البشري» تمثّل في شركة «سيليرا جينومكس»Celera Genomics التي يرأسها كريغ فنتر. وعبّر ظهورها عن سياقات العولمة التي جعلت الشركات العملاقة منافساً شرساً لمؤسسات الدولة، إذ عمد فنتر إلى الاستفادة من معطيات ثورة المعلوماتية والاتصالات. ولتفكيك الشيفرة الوراثية، وظّف خبراء شركة فنتر آلات مؤتمتة تديرها حواسيب متطوّرة. وتمكّنوا في زمن يسير من الوقوف على قدم المساواة مع «مشروع الجينوم البشري»، الذي ترأسّه البروفسو فرانسيس كولن، وهو اختصاصي يحمل جائزة نوبل في علم الصيدلة. وشيئاً فشيئاً، ضاق الفارق بين الفريقين، على رغم أن فريق «سيليرا» انطلق بعد فريق كولن بثماني سنوات. ثم ارتأى الفريقان أن يُنسّقا جهودهما معاً، بدل الاكتفاء بالمنافسة بينهما. ونسّقا سويّة الإعلان عن التوصل إلى الخريطة الكاملة للجينوم البشري، على رغم أنها ضمّت عملياً 90 في المئة منه.

معلوماتية الجينات
يصعب الحديث عن الجينوم من دون الإشارة إلى الدور المتقدّم الذي أدّاه الرئيس الأميركي الديموقراطي السابق بيل كلينتون الذي أصرّ على إتاحة معلومات الجينوم للشعوب كافة، معتبراً إياها قيمة إنسانية يحق للبشر التشارك بها. وبعد عشر سنوات، أطلق رئيس ديموقراطي آخر، هو باراك أوباما، مبادرة ترمي إلى وضع معلومات الجينوم في متناول الأفراد، عبر تخفيض كلفة قراءة جينوم كل شخص، مقابل ألف دولار. وعلى رغم أنه ليس مبلغاً هيّناً تماماً، إلا أنه أقلّ بملايين المرات(حرفياً) من الثلاثة بلايين دولار التي تكلّفتها قراءة الجينوم الأول!
عربياً، يلاحظ أن الدول العربية لم تشارك في مشروع الجينوم، والأدهى أنها لا تستفيد من إتاحة المعلومات عنه، على رغم توافرها مجاناً على الإنترنت. وفي لقاء سابق لـ «الحياة» مع البروفسور إلياس زرهوني، حين كان مبعوثاً علميّاً لأوباما إلى شمال إفريقيا والخليج العربي، أوضح أن الدول العربية مجتمعة تحتل ذيل القائمة في الموقع المخصص للمعلومات عن الجينوم (أنظر «الحياة» في 27 نيسان- إبريل 2010).
هل يبدو أمراً غريباً أن يُحجم العرب عن فهم معلومات الوراثة علمياً، فيما يخضعون السياسة إلى «قوانينها»، أم أن العكس هو المستغرب؟
في الغرب، يرى كثيرون أن انطلاق مشروع العقلانية التنويري ترافق مع صعود علم التشريح («آناتومي» Antomy)، الذي رسم جسد الإنسان على هيئة آلة فائقة التنظيم. ومع تزايد المعلومات عن عمل أعضاء الجسم ووظائفه، ارتسم الجسد البشري على صورة آلة ميكانيكية معقّدة ومنظّمة ومترابطة، ما يشبه الطائرة المتطوّرة أو مركبة الفضاء.
ومع الجينوم، برزت أهمية المعلومات باعتبارها الركن الأساسي في الجسد، إذ حمل الجينوم رسالة مفادها أن تركيب الإنسان تشريحياً وطُرُق عمل أعضائه (وهي مكوّنات الآلة الميكانيكية للجسم)، إنما تدار بالمعلومات التي يحملها الحمض الوراثي.
وبقول آخر، أعاد الجينوم رسم جسد الإنسان ليتخذ هيئة كومبيوتر بيولوجي ضخم. واستطراداً، هناك بين علماء المعلوماتية من يدعون إلى الاستفادة من تركيب الجينوم، بمعنى استخدامه ككومبيوتر ضخم.
علوم وتكنولوجيا

ليست هناك تعليقات: