الثلاثاء، 4 يونيو 2013

احواض ومغاسل لإنتاج المرض في بيوت الرحمن

اتجاه إجباري إلى الرفيق الأعلى
تحقيق: غمدان الدقيمي
(نشر بالتزامن بين صحيفتي مأرب برس والثورة)
29/ 5/ 2013م
يسابق "بلال القلام" موعد صلاة المغرب مع عدد كبير من الواقفين معه لوضوء جماعي في حوض مياه تابع لمسجد الحي القديم وسط العاصمة صنعاء، تفوح منه رائحة عفن، وفي زواياه يسبح بعض المخاط والطحالب الملوثة التي تصيب حوالي 80% من مستخدمي هذه الأحواض بفطريات القدم أو التهابات الأمعاء والاسهالات، بحسب أطباء الأمراض الجلدية.

غالبية المصلين لا يدركون مخاطر غمر القدمين في هذه الأحواض عقب الانتهاء من الوضوء، أو الغطس في "مغاطس" أو "برك" يتم فيها غسل كافة اجزاء الجسم، يفترض أن توفر أوعية آمنة للطهارة، في تقليد متوارث عن المذهب الزيدى عبر آلاف السنين. تحولت هذه الاحواض مع مرور الوقت، وغياب شبه كامل لأعمال النظافة، إلى مرتع خصب للأمراض الجلدية والمعوية، وأداة لنشرها في أوساط السكان، الذين يواضب الكثيرون منهم على هذه الطريقة من الاغتسال مستسلمين "للقضاء والقدر" عند تفسير أي مكروه.
يقول عبدالعليم قائد (35 عاما) الذي صلى الظهر في جامع العصيمي القريب من منزله بحي "سبأ" الذي تؤمه أغلبية سلفية: "لا أحد يهتم بهذه الأمور (يقصد النظافة) نحن أمام رب العالمين، ولن يصيبنا إلا ما كتبه لنا".

ويكشف هذا التحقيق كيف باتت هذه الأحواض والمغاطس مصدر للخطر، بدل الطهارة الروحية والجسدية، كما يعتقد مستخدموها. اذ بينت نتائج فحص عينات، أخذت من أحواض وضوء ومغاسل 10 مساجد من أصل 1300 مسجد في العاصمة صنعاء، أن مياه تلك الأحواض تنضح بمستويات قياسية من التلوث، في ظل إهمال وزارة الأوقاف كجهة معنية بالإشراف على دور العبادة ونظافتها.

يحصلون على المرض في أعماق مختلفة من المياه

تتخذ هذه الأحواض والمغاطس من باحات المساجد الخلفية، مواقعها كمصبات مكشوفة بأحجام وارتفاعات مختلفة. يتعدى ارتفاع بعض الأحواض 30 سنتيمترا كما هو الحال مع ـ 70% من اجمالي مساجد صنعاء، فيما يصل ارتفاع المغاطس إلى حوالي متر واحد. وتقوم شاحنات - تحت الطلب – بتغذيتها في المساجد غير المرتبطة بشبكة المياه الحكومية، ووفقا للنفقات المخصصة لهذه المساجد، الخالية مراحيضها من أدنى شروط النظافة.
بحسب القائمين على المساجد، يتم تغيير مياه الأحواض المخصصة لغمر القدمين قبل وبعد الخروج من دورات المياه والدخول إلى المسجد، يتم مرتين في اليوم. لكن هذا القياس لا يمكن تعميمه على أحواض المساجد القديمة التي تسمى بالمغاطس أو "البرك"، التي يقوم فيها المصلون بالغطس وغسل جميع أجزاء الجسم في مياه آسنة، وعلى درجة عالية من التلوث.
في "مغطس" جامع "قبة المهدي"، الذي بني قبل نحو ألف عام في المدينة القديمة، يقوم المصلون بغسل كافة الأعضاء المشمولة بأركان الوضوء بما في ذلك الاعضاء الحساسة، بينما تختلط أصوات المضمضة بالاستنشاق والبصق في المياه التي لا يتم تجديدها إلا مرة واحدة كل خمسة أيام، بحسب قيم الجامع حمود الشهاري.


فطريات والتهابات وإسهالات.. وسرطانات أيضا

نتائج الفحوصات التي أجريت لتوثيق هذا التحقيق الاستقصائي الذي استغرق إعداده ثلاثة أشهر، أثبتت وجود تلوث برازي (غائطي) في جميع أحواض المساجد العشرة المشمولة بالتحليل "الميكروبيولوجي"، وذلك بظهور مجموعة البكتيريا القولونية، وما يسمى "اشرشياكولاي E-coli" الدالة على وجود تلوث برازي بشري، فضلا عن احتمال وجود فيروسات أكثر خطورة في هذه المياه، في حال توفرت إمكانيات مخبرية أكثر تطورا، وفقا للأطباء الذين تحدثوا في هذا التحقيق.
وأظهرت النتائج في إحدى العينات، أن العد الكلي لمجموعة البكتيريا القولونية 2400 خلية/ ملم من مياه هذه الأحواض، مقارنة بالمواصفات اليمنية لمياه الشرب غير المعبأة التي تشترط خلوها من مجموعة بكتيريا القولون وبكتيريا "إيشير يشياكولاي" في أي 100 ملم من العينة المختبرة.
والبكتيريا القولونية وكذا ما يسمى "اشرشياكولاي E-coli"، هي المسؤولة عن كثير من الأمراض الشائعة في اليمن، وخاصة المعوية وعلى رأسها الإسهالات، وهي أخطر انواع الملوثات وفقا للأطباء؛ ما يعكس حجم الضرر البالغ على مستخدمي هذه الأحواض.
يبدو الأمر كارثيا أيضا بالنسبة لأوضاع المغاطس الملحقة بالمساجد القديمة؛ فمن بين العينات التي خضعت للتحليل المخبري، عينتان من مياه هذه المغاطس.. "نسبة التلوث 100%"، كما يقول استاذ طب المجتمع الدكتور يحيى رجاء، الذي شارك في قراءة نتائج الفحص المخبري، وأضاف أن ستة من أصل عشرة أحواض كانت غنية بالخمائر المسببة للأمراض الجلدية.
ويوضح الدكتور رجاء: "هذه العينات ملوثة تلوثا برازيا، مع ظهور بكتيريا (الإيشريكية القولونية) الدالة على التلوث البرازي"، وبالتالي فهذه المياه قد تحمل أيضا أنواعا أخرى من البكتيريا الممرضة كالتيفوئيد والشيجلا وغيرها، "لأن ظهور الإيشريكية القولونية فقط في هذه النتائج المخبرية، يعكس قدرتها على مقاومة الظروف البيئية، ولا يعني ذلك عدم وجود أنواع أخرى من البكتيريا الخطرة، في حال توفرت الامكانيات اللازمة لتأمين الإجراءات السليمة في تخزين العينات"، قال رجاء.
يوجد في العاصمة صنعاء 360 مسجدا بها مغاطس كتلك الملحقة بجامع "قبة المهدي"، الأمر الذي يعده الأطباء الذين شاركوا في قراءة تحليل نتائج الفحص المخبري، بيئة خصبة لانتقال الامراض الجلدية والمعوية، كالتسمم الغذائي وعدوى المعدة اللذين تسببهما بكتيريا "اشرشياكولاي، السلمونيلا"، إضافة إلى مرض الدسنتاريا (إسهال شديد واضطراب في الجهاز الهضمي)، الذي تسببه بكتيريا "الشيجيلا"، فضلا عن أمراض: الكوليرا، الاسكارس، التهاب المسالك البولية، والحبيبات الملساء، والحزام الناري...
تفتقر الحكومة إلى إحصاءات حول عدد المصابين بأمراض جلدية معدية في أوساط السكان المقدر عددهم بأكثر من 23 مليون نسمة. لكن الدكتورة بلقيس جارالله - استشارية أمراض جلدية - تقول إن 80% من المترددين على أحواض الوضوء في المساجد، مصابون بفطريات القدم.
وإلى جانب "ثآليل القدم"، تقول الدكتورة جار الله: إن الفطريات، والالتهابات البكتيرية، هي أبرز ثلاثة أمراض جلدية تنتقل بين مرتادي أحواض المساجد بمجرد ملامستها جلد المصلي، مؤكدة ان خطر هذه الأحواض الجماعية، يتزايد إلى حد إمكانية أن تؤدي بعض "الثآليل" إلى الإصابة بسرطانات الجلد.

مصابون في مقتبل العمر

يبدي عديد المصلين، حال المسؤولين، صدمتهم بمجرد مواجهتهم بهذه الحقائق المخبرية.
وتتزايد المخاوف من انتشار أمراض جلدية معدية في أوساط مرتادي أحواض المساجد، خاصة مع ظهور حالات معدية، لكن القليلين فقط مثل جمال حسين، بإمكانهم التأكيد على أن أمراضهم الجلدية ناتجة عن استخدام مياه الأحواض الملحقة بمساجد اليمن 75 ألف مسجد.
ويقول الطالب الجامعي جمال حسين (21 عاما)، إنه أصيب بمرض "ثآليل" القدم (فيروسات جلدية معدية، تظهر على شكل نتوءات وزوائد خشنة في أجزاء مختلفة من الجسم)، في مسجد "خيران" عن طريق العدوى من المياه التي يحملها المصلون من الحوض الملحق بالمسجد. وهو ما أكدته أيضاً الطبيبة بلقيس جارالله، المشرفة على علاج جمال.
حين أصيب "جمال حسين" بثآليل القدم التي انتقلت منه مباشرة إلى شقيقه عبدالملك، رضخ إلى رأي الأقارب في استخدام طرق تقليدية للعلاج. غير أن بثور الثآليل صارت أكثر انتشارا وأكبر حجما، قبل أن يخضع لعملية جراحية وجلسات متواصلة من الكي الكهربائي، لاستئصال هذه الفيروسات الجلدية شديدة العدوى، وغير مضمونة العلاج، وفقا لأطباء الجلد.
وفي إصابة أخرى مؤكدة طبيا، يحكي جهاد حنش "19 عاما" معاناته من ثآليل جلدية أصابت قدمه اليسرى، وأجبرته على غياب مؤقت عن مدرسته الثانوية لإجراء عملية جراحية غير مضمونة النتائج.
ويؤكد جهاد أن إصابته ناتجة عن عدوى في مسجد الحي بجولة عمران شمالي العاصمة، ويضيف: "أجريت حتى الآن عملية جراحية لاستئصال "الثآليل"، ولكن الألم لم ينته، وقال ها هي "الثآليل" تعود من جديد، وهو يشير إلى قدمه.
بين منزلي "جهاد" شمالي العاصمة و "جمال حسين" جنوبها، تنتشر المئات من هذه الأحواض، وربما آلاف المصابين بالأمراض الجلدية الجاهزة للانتقال إلى حاضن جديد.

الدواء لايعني نهاية الألم أحيانا

في عيادتها الأنيقة وسط شارع الزبيري الشهير، بدت الدكتورة بلقيس جارالله منهكة وهي تنتظر دخول من تبقى في طابور طويل من المصابين بفطريات جلدية مختلفة. إذ سردت أعراض المرض: "طبقة بيضاء بين أصابع القدم، قشور وتسلخات بين الأصابع، فطريات قابلة للانتقال بمجرد حكها إلى أي منطقة من الجسم أو جسم آخر..".
وتقول إنها خلال ثلاثة أشهر فقط، استقبلت في عيادتها الخاصة، وعيادة المستشفى الجمهوري الذي تعمل فيه صباحاً نحو 400 مصاب بأمراض جلدية، وكانت أبرز الإصابات "ثآليل القدم واليدين والفم، وفطريات القدم والالتهابات البكتيرية"، في مؤشر على انتشار أبرز ثلاثة أمراض تسببها تلك الأحواض الملوثة.
ومن شأن استمرار هذه الطريقة التقليدية في الوضوء، أن تضاعف من عدد المصابين الذين يحصل غالبيتهم، وفقا للأطباء، على الدواء من الصيدليات مباشرة، أو في العيادات غير المتخصصة وفي مرحلة متأخرة من المرض، الذي من الممكن أن يبدأ، بحسب استشاري الأمراض الجلدية الدكتور محمد الشامي، "بالتهابات جلدية معدية، ومنها التهابات ما بين أصابع القدم أو الأظافر".
ولكن الأخطر حسب الدكتورة بلقيس جارالله أن "الأدوية المستخدمة لعلاج الالتهابات الفطرية تؤثر على وظائف الكبد، خاصة وأن المريض يستخدمها لمدة سنة في حالة إصابة أظافر أصابع القدم، وستة أشهر بالنسبة لأظافر اليد".
من الوضوء وحتى سجاد المسجد
يقول عدد كبير من الناس من مرتادي المساجد تم استطلاع آرائهم وإطلاعهم على نتائج التحاليل المخبرية، إنهم يشعرون بالخوف من مياه هذه الأحواض. وبدأوا بذكر أسماء معارفهم ممن تظهر عليهم أعراض الإصابة بأمراض مماثلة أوضحها لنا أطباء متخصصون، لكن مخاوف هؤلاء سرعان ما تحولت إلى يأس من النجاة، عندما نقلت لهم تأكيدات طبية؛ بأن المرض قد يكون كامنا أيضا على السجاد الذي يصلون عليه
وتؤكد استشارات طبية متطابقة ودراسات علمية منشورة على شبكة الأنترنت - كالدراسة التي نشرها استاذ الاحياء الدقيقة الطبية بكلية الطب جامعة طرابلس الليبية الدكتور خليفة السيفاو قنقيش- نهاية العام الماضي، أن رائحة العفن التي يستنشقها المصلون من سجاد بعض المساجد أثناء السجود، دليل على وجود تلوث جرثومي "بكتيريا برازية" ممرضة أو ممرضة انتهازية، لا يُستبعد انتقالها من الأحواض والمراحيض عبر أقدام المصلين.
وقد تتزايد دائرة المصابين بالأمراض الجلدية مع تردي الأوضاع المعيشية وتدني الرعاية الصحية والنقص الحاد في إمدادات المياه، التي أجبرت بعض الفقراء على استخدام مياه أحواض المساجد لأغراض غسيل مستلزمات منزلية، في عاصمة تعتبر من بين الأفقر عربيا بالمياه.
ووفقا للأطباء فإن المحظوظين فقط ممن يتمتعون بقدر عال من المناعة، بإمكانهم الإفلات من خطر الإصابة بأمراض جلدية معدية مثل تلك. يفاقم خطر الإصابة وجود جروح أو تشققات في القدم. ويفسر الدكتور محمد الشامي ذلك بقوله: "دخول البكتيريا سيكون أسهل للإصابة بالالتهابات الجلدية والتقيحات والدمامل والصنافير وغيرها".
لأن جلد الإنسان -بحسب الشامي- يعد خط الدفاع الأول، وأن وجود بعض الجروح "يمثل أسهل طرق البكتيريا لاختراق جسم الانسان.. وفي حال توغلت هذه البكتيريا في الجسم فقد تفرز سموما تسبب الشلل، وأخرى قد تصل إلى الدم وتؤدي إلى التسمم والتهابات حادة داخل العضلات..".

ألم ومخاوف
ويعتبر صالح شمخ، قيم جامع النهرين العريق في المدينة القديمة، عدم وجود مواد النظافة سبباً تلوث تلك المياه موضحا أن "مواد النظافة تأتي كل ثلاثة أشهر من وزارة الأوقاف وبكميات محدودة جدا بالاضافة إلى أن القائمين على هذه المساجد يتقاضون أجورا زهيدة تتراوح ما بين 5 - 10 آلاف ريال شهريا تعادل (25 – 50) دولارا".
يظهر التدقيق في بيانات وزارة الأوقاف، أن النظافة ليست ذات أولوية حكومية حاليا. فوفقا للإحصائيات فإن وزارة الأوقاف تشرف فقط على 502 من إجمالي عدد المساجد البالغة 1300 مسجد في صنعاء، بينها 100 مسجد تتبعها مرافق إيرادية وقفية. ذلك يعني أن 700 مسجد تعتمد على الإشراف الأهلي والمبادرات الخيرية وتبرعات بعض رجال الأعمال.
يقول مدير إدارة المساجد بمكتب اوقاف صنعاء ابراهيم سنان: "لدينا صعوبات كثيرة، وفي مقدمتها عدم توافر الامكانيات المادية والبشرية للإشراف على جميع المساجد..".
ويؤكد أن الإمكانيات الشحيحة لا تفي حتى بأجور عمال النظافة البالغ عددهم 420 عاملا.
ويضيف سنان: "إذا توفرت الامكانيات المطلوبة لإدارة المساجد تستطيع معالجة معظم المشاكل القائمة، أما قضية الاحواض فإزالتها بحاجة إلى قرار وزاري".
وفي رده على ذلك يقول وكيل قطاع الأوقاف الدكتور حميد المطري،: "إن عدم توافر الاعتماد المالي وراء القصور القائم في نظافة المساجد، الاوقاف ليس لها أي دعم حكومي لتلبية متطلبات المساجد بصفة دورية ومتقاربة".
غير أن الوكيل المطري، وعد بإصدار تعليمات لإزالة أحواض مغاسل الأرجل من المساجد التي يتم شراء احتياجاتها من المياه، وتلك التي يتم تغيير مياهها كل ثلاثة أو اربعة ايام، على أن تكون حنفيات الوضوء قريبة من صروح الجوامع بعيدا عن أي أثر للنجاسة، لكنه قال ان المغاطس (أحواض الغسل والوضوء الجماعي) "يجب الحفاظ عليها كونها أصبحت آثارا تاريخية في بعض المساجد القديمة".
وحتى إجراءات الرقابة على الأحواض مرهونة بوجود دعم مركزي، حسب الوكيل المطري الذي قال: "في حال تم اعتماد دعم مركزي، سنعيد تنظيم الحمامات وأماكن الوضوء وفقا لمعايير حديثة"، وتابع: "نطالب الحكومة باعتماد مبالغ مالية للمنظفين".
.. وأحكام شرعية لا يفقهها المصلون
لم يقتصر الضرر على الجانب الطبي فقط، بل امتد إلى مشروعية العبادة. يقول نائب مفتي الجمهورية الشيخ الدكتور محمد غنيم: "إذا صح طبيا وجود هذه الأمراض المذكورة، فلا يجوز استخدام هذه المياه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار".
وأضاف: "من المسائل المجمع عليها عند الفقهاء، أن الماء إذا تغير بالنجاسة طعمه أو لونه أو رائحته فقد أصبح نجسا لا يجوز استعماله للوضوء أو غيره".
ويؤيد الشيخ غنيم في هذا الرأي الشيخ جبري ابراهيم – إمام جامع غزوة بدر الكبرى - بالقول: "كمية المياه التي يتم وضعها في غالبية أحواض مغاسل الأرجل، قليلة ولا تبلغ قلتين (100 لتر)، لذلك نراها وقد تغيرت في اللون وربما الرائحة، ولا يجوز استخدام ما يسبب الضرر للناس".
بانتظار تعليمات جديدة تقرها وزارة الأوقاف للحد من هذه الظاهرة، يبقى الآلآف من المصلين في مساجد اليمن ضحايا محتملين لمغاسل الوضوء والطهارة الملوثة.

تم إعداد هذا التحقيق الاستقصائي بدعم من شبكة "إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج)"، وبإشراف الزميل خالد الهروجي.
www.arij.net

دفء إنساني رافق لقاء أول للكتابة العلميّة في صنعاء

دفء إنساني رافق لقاء أول للكتابة العلميّة في صنعاء
صنعاء - «الحياة» احمد المغربي
الثلاثاء ٤ يونيو ٢٠١٣

تستطيع صنعاء أن تدهش بألف طريقة وطريقة. منظرها الذي يمسك العين بمزيج التاريخ والجغرافيا والعمارة المميّزة، يصعب نسيانه من سطح فندق في عمارة عريقة في «حارة الفليحي» في صنعاء القديمة. كُتِبَ كثيراً عن باب اليمن، الذي كان الإمام البدر يقفله ليلاً ليعزل الناس عن امتداد المكان والزمان. في السوق، تسير متسربلاً بتاريخ وعطور وعبق وبخور وغبار طلع، على رغم البؤس والفاقة والتجوّل. ليست صنعاء في أبهى حلّة، بل تجلّلها ظلال ثقيلة، تجعل الهواء كالزئبق، على رغم أن لا أحد يتحدث عنها. ربما لا تنطق الألسن بالكثير عن الانتظار الثقيل المثقل بإحساس كوارثي، بانتظار أن تؤول الأمور إلى خواتيمها في الحوار الوطني، وعلى أمل انتخابات مقبلة. «كنا نسمع عبارة «حوار وطني في أخبار لبنان». باتت العبارة شائعة هنا أيضاً»، وفق كلمات لزميل يمني حضر الدورة التدريبية عن الصحافة العلميّة في صنعاء التي نظّمتها «المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم» أخيراً. هل يبقى اليمن موحّداً، أم يتفتت إلى يمنين أو أكثر؟ «إنسَ أمر القات. يريد الجميع أن تزول هذه الآفة. يحتاج الأمر ربما إلى تخطيط استراتيجي يشمل جيلين على الأقل. إنه أمر آجل، أما العاجل فهو ما يتخبّط في رؤوس السياسيين والناس»، وفق زميل آخر.



دفء يمني لاهب

لم تنجح كل هذه الوقائع الصلبة الثقيلة الوطأة في أن تحرم صنعاء من لمستها وإغوائها وسحرها. ليس لليمن موارد ضخمة كي تكسر الأموال والأبهة والحداثة المستوردة بأشكالها الأكثر تطرّفاً (تعويض نفسي عن التأخّر والإحساس بالتخلّف).

يملك اليمن سحراً آخر: الناس. منذ اللحظة الأولى، يصدمك مطار صنعاء بأنه يعيش خلف التاريخ، وتذكر أنه قريب من مجموعة من المطارات الأكثر تقدّماً ورقيّاً، فلا تملك سوى الإحساس بالحسرة و... الأمل.

منذ اللحظة الأولى، يغمرك أهل اليمن وناسها بحرارة إنسانيّة مذهلة، وانفتاح يثير العقل، وتواضع أصيل في الاعتراف بالوقائع. تصافحك أيدي الزميلات والزملاء بحرارة تذيب المسافات والأوقات. لم يتردد الزملاء اليمنيون ممن حضروا هذه الندوة من القول منذ اللحظة الأولى، إنهم يحضرون للمرة الأولى تدريباً صحافياً عن الكتابة العلميّة. لا يجعلهم هذا الأمر إلا أكثر شجاعة وإصراراً على تقصي آفاق الأمور، إلى أقصى حدّ. وبالضحك والتهكم على المآسي والصبر الحاضر بملامح الهواء، جعل شباب صحافة اليمن ندوة الـ «إيسسكو» تجربة إنسانيّة عامرة. كُنّ هناك، بالحجاب والنقاب وغطاء الرأس، وكانوا هناك أيضاً: أمل الرباعي، صحافية واستشارية برامج ومدرّبة تنمية بشرية وتمكين سياسي، فراس شمسان (من عدن)، من الموقع الإخباري اليمني التفاعلي «اليمن تمام» و «منتدى الشباب اليمني»، عمر الحياني من «الوكالة العربية للأخبار العلمية»، محمد جابر صلاح، من مجلة «الطيران» اليمنية، أحمد علي الشامي، مدير تحرير «شبكة شباب اليمن»، بشير الحزمي، من صحيفة «14 أكتوبر»، إكرام العكوري وأمل الجندي، من وكالة «سبأ» للأنباء، مطهر الهزبر واسكندر المريسي من صحيفة «الثورة اليمنية» ومحمد الحكيمي رئيس تحرير موقع «حلم أخضر». حضروا بحواسيب محمولة، بدا واضحاً تمكّنهم من تقنياتها. حضروا بأعين تتطلع إلى التواصل مع آفاق واسعة، وبأيدٍ تجيد التعامل مع المواد المتعدّدة الوسائط «ميلتي ميديا». وحضروا، بإنسانية دافئة، يصعب عدم الحديث عنها.