الأربعاء، 15 أبريل 2009

العواصف الرملية.. خطر يضرب منطقة الخليج


العواصف الرملية.. خطر يضرب منطقة الخليج
عمر الحياني – نشرت على موقع إسلام اون لاين
شهدت منطقة الخليج العربي موجة من العواصف الرملية القوية والغبار الكثيف مطلع عام 2009، حتى وصل الوضع إلى حجب الرؤية الكاملة وتحول النهار إلى ليل مظلم، كما حدث في بعض مناطق المملكة العربية السعودية وخاصة الرياض والمنطقة الشرقية، وهو ما أحدث شللا في سير الحركة المرورية، وذلك في النصف الأخير من شهر فبراير الماضي، وامتد تأثيرها لعدة أيام مما أدى إلى تعطيل المدارس والمؤسسات الحكومية وإعلان بعضها إجازة عن العمل كما حدث في الكويت، والبعض الآخر أعلن إغلاق المطارات كاليمن، لانعدام الرؤية بشكل كلي، نظرا لكثافة رمال العواصف التي لم يشهد لها مثيل من قبل.

فحسب تصريح مدير إدارة البيئة والتنمية الحضرية في معهد الكويت للأبحاث العلمية الدكتور ضاري العجمي لوكالة الأنباء الكويتية (كونا): إن العواصف الرملية تضرب الجزيرة العربية من صحراء الربع الخالي حوالي 154 يوما من أيام السنة، وتمثل العواصف الترابية أقل الظواهر حدوثا بمعدل 26 يوما، أما عواصف الغبار المتصاعد فهي الأكثر تكرارا وبمعدل 69 يوما في السنة ثم الغبار العالق بمعدل 58 يوما.

الثوران الصيفي
ومن المعروف أن العواصف الرملية تبدأ في التكون والثوران مع بداية فصل الربيع لتزداد حدة خلال الصيف وهذا ناتج عن التبدل في مراكز الضغط الجوي والتفكك الشديد في حبات الرمال نتيجة للحرارة الشديدة.

ويحدث هذا النوع من العواصف عند اجتماع كل من تربة جافة ومفككة عارية من الغطاء النباتي، ورياح ذات سرعة عالية، وتيارات الحمل التي تحدث بعد تسخين شديد لسطح الأرض، فيصبح الهواء فوق سطح الأرض حارا ومن ثم يصعد إلى أعلى بشكل تيارات حملانية، مما يسبب خلق اختلافات في الضغط الجوي والحرارة، بسببها تندفع رياح أبرد نسبيا إلى ملء الفراغ في الموقع الأمر الذي يثير الغبار ويحمل حبات الرمل إلى أعلى بمستوى يتناسب مع قوة الرياح وتفكك التربة.

عبور القارات
ولا يقتصر تأثير العواصف الرملية القوية على المناطق المجاورة فقط بل أنها تنتقل وتعبر المحيطات والقارات، فثوران عاصفة رملية في الصحراء الكبرى بإفريقيا مع وجود رياح قوية باتجاه أوروبا فإنها تساعد على نقل ذرات الرمال والجزيئات العالقة التي لا يزيد حجمها عن 250 ميكرونا إلى قارة أوربا عابرة البحر المتوسط لتستقر هناك.

ففي دراسة أجرها مجموعة من علماء البيئة في جامعة ليج في بلجيكا حول ظاهرة التصحر، أفادت أن الصحراء تلقي بأتربتها في الغلاف الجوي بنحو "مليار طن سنويا"، بالإضافة إلى أن 100 مليون طن من هذه الأتربة تأخذ اتجاهها إلى القارة الأوروبية وبعضها يختفي في حوض البحر الأبيض المتوسط، وتعبر العواصف محملة بالرمال من الصحراء الكبرى بإفريقيا المحيط الأطلسي لتجد مستقر لها في أمريكا الجنوبية بغابات الأمازون لتتحول كسماد لغاباتها بعد سقوط المطر عليها.

وقد ازدادت العواصف الرملية في العقود الأخيرة حسب بعض الدراسات بسبب ازدياد مساحة التصحر واجتثاث الغطاء النباتي.

وفي ظل الظروف المناخية الحالية المتقلبة وتحذيرات علماء المناخ من ظاهرة الاحتباس الحراري وتأثيراتها السلبية على الاستقرار المناخي ومعدلات سقوط المطر فإن مساحات التصحر في اتساع أكبر مما هي عليه الآن ليزداد معدل العواصف الرملية وتأثيراتها.

العواصف الرملية.. تأثيرات مدمرة
وللعواصف الرملية آثار مدمرة على البيئة القريبة منها، حيث تحولها إلى جزء من الصحراء، بل وتدمر مدنا وتخفيها تحت حبات الرمل وكأن لم تكن, وقد حذرت الدكتورة إلهام جاسم اللنقاوي عضو هيئة التدريس بجامعة الكويت من تنامي ظاهرة التصحر في الكويت، ومن تحول الكويت إلى جزء من صحراء الربع الخالي جراء ازدياد الكثبان الرملية فيها.

فيما تعمل الحكومة الكويتية على مكافحة التصحر عبر رش الصحراء بحبوب الشعير في فصل الشتاء لتنمو في فصل الربيع مما يساعد على تثبيت حبات الرمال.

إلى جانب ذلك تؤدي العواصف الرملية إلى زيادة حوادث السيارات وانقطاع التيار الكهربائي وازدياد عدد المرضى في المستشفيات والمراكز الصحية نتيجة لتعرضهم لضيق في التنفس ناتج عن أمراض الصدر المزمنة أو الحساسية التي يزيدها الغبار تأزما.

كما أنها تعتبر ناقلا للملوثات الصناعية الناتجة عن أدخنة المصانع والورش والسيارات، حيث ذكرت صحيفة "يو إس توديه" أن نحو 40% من تلوث الهواء في الولايات المتحدة يرجع لأسباب خارجية منها العواصف الجوية.

ووفقا لدراسة أجرتها جامعة هارفارد، فإن معظم الولايات الأمريكية تعاني من عدوى التلوث من مصادر خارجية، ومن أخطرها الزئبق المنبعث من محطات الطاقة والمصانع في الصين وكوريا وأجزاء أخرى من آسيا، والذي ينتقل عبر الرياح ليستقر في البحيرات والأنهار الأمريكية، ويسهم في تلويثها وجعل الأسماك غير صالحة للأكل.

إضافة إلى الغبار الذي يأتي من الصحراء الكبرى في إفريقيا عبر المحيط الأطلسي، ويؤدي إلى رفع مستوى الجسيمات العالقة في الهواء إلى حدود تفوق المعايير الأمريكية، وذلك في ميامي وغيرها من مدن جنوب الولايات المتحدة. كما تتأثر العديد من الولايات بالضباب الناجم عن دخان المصانع ومحطات الكهرباء والحرائق في آسيا والمكسيك، على نحو يؤدي إلى مشكلات صحية لقطاعات عديدة من السكان.

وفي ظل ازدياد معدل ملوثات الهواء الناتجة عن ازدياد النشاطات البشرية فإن العواصف الرملية تعتبر من أكثر العوامل فاعلية في نقل الملوثات والفيروسات المعدية.

فوفقا لتقديرات منظمة الصحة العالمية لعبء الإمراض الناجم عن تلوث الهواء, فإن العالم يشهد كل سنة ما يزيد عن مليوني وفاة مبكرة يمكن عزوها لآثار تلوث الهواء الطلق والهواء في الأماكن المغلقة ومع هبوب العواصف الرملية التي تحمل بين ذرات الرمل الكثير من الفطريات والبكتريا التي تحمل بواسطة الجزيئات والتي يستنشقها الإنسان لتجد لها المنبت الرطب الصالح للتكاثر والغزو في رئتي الإنسان.

وعلى سبيل المثال تذكر سجلات منظمة الصحة العالمية أن العواصف الترابية التي حدثت في مناطق الصحراء في إفريقيا عام 1996 تسببت في انتشار وبائي لالتهاب السحايا أصاب 250 ألف شخص بالمرض ونتج عنه وفاة 25 ألف شخص، ويرجع سبب انتشار مرض التهاب السحايا المعدي لحمل ذرات الغبار للبكتيريا المسببة لالتهاب السحايا لمسافات طويلة وحين يستنشق الإنسان هذه البكتيريا بكميات كافية فإن احتمالية إصابته بالمرض تزداد.

كما أظهرت أبحاث أجريت في الصين وتايوان زيادة غرف الإسعاف في المستشفيات المخصصة للتعامل مع أمراض الرئة والقلب والتهاب العينين الرمدي خلال العواصف الترابية، وحين تم دراسة تأثير هذه الجزيئات على خلايا الرئة في فئران التجارب وجد الباحثون تأثيرات غير صحية على عدد من الخلايا مثل الخلايا "البلعمية النخروبية" (Alveolar macrophages) كما أظهرت النتائج الأولية لأبحاث أخرى أن تعريض خلايا الرئة والقلب والكبد لجزيئات الغبار الصغيرة بتركيز عال قد يزيد من أكسدة الخلايا، وبالتالي ارتفاع احتمال الإصابة بالسرطان.

أما إصابات العين فأبرزها الحساسية والرمد بالإضافة لحساسية الأنف، وبما أن الغبار محمل بالمواد العضوية وغير العضوية فإنه يؤدي إلى تهيج الجهاز التنفسي عند استنشاقها، وهو ما يزيد من حالات الإغماء في أيام العواصف الرملية، ولذلك تحذر الأرصاد في مختلف الدول المصابين بالربو، وتطالبهم بلزوم المنزل وأخذ الحيطة من التعرض للغبار.

العواصف الرملية ناقل للخير أيضا
إذا كانت الجوانب السلبية تطغى على العواصف الرملية، فإن لها دورا إيجابيا أيضا، حيث تلعب دورا مهما في الدورة البيئة للأرض من خلال نقل حبوب اللقاح والمساهمة في تلقيح كثير من النباتات المختلفة، وتعمل على حجب أشعة الشمس عن المناطق التي تغطيها تلك العواصف مما يؤدي إلى خفض درجات الحرارة، بالإضافة إلى أنها ناقل مهم لذرات الرمال إلى المناطق الجبلية والبعيدة وكذلك مناطق الغابات المطرية التي تعتبر كسماد طيني لها.
http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1237706119901&pagename=Zone-Arabic-HealthScience%2FHSALayout
--------------------------------------------------------------------------------

كاتب يمني مهتم بالشأن العلمي، وعضو الرابطة العربية للإعلاميين العلميين




ليست هناك تعليقات: