الجمعة، 5 فبراير 2016

القراءة من دون شاشة ليست قراءة!

حبيب سروري - العربي الجديد


“القراءة من دون شاشة ليست قراءة!”؛ قالت بهدوء طالبتي الذكيّة التي تقرأ كثيراً كما ألاحظ وهي تشتغل معي على أطروحة الدكتوراه منذ 3 سنوات، لكنها لا تطيق قراءة كتابٍ ورقيٍّ أو نصٍّ مطبوعٍ على ورق.

لا أبالغ: صار كثيرٌ من أبناء هذا الجيل، الذي التصقت عيونه بالشاشات منذ أكثر من عقدين، يعزف عن قراءة الورق، كما لو كانت عادة سحيقة مارسها الأجداد الصالحون في زمن هوموإيبيليس!
قراءة النص الورقي يُتعِبُهم، لم يعد يتكيّف مع أعينهم وأدمغتهم، ويصيبهم بالدوخة أو وجع الرأس!
بعد معاينات لأدمغة أطفال الإنترنت أثناء قراءتهم للنصّ الورقي أو للنصّ الرقمي على الشاشة (القراءة الأولى خطيّة، والثانية شذراتيّة)، وبعد دراسات حديثة للتغيّرات التي حدثت في أدمغتهم جراء استخدامهم لألعاب الفيديو ذي الأبعاد الثلاثة ولوحات المفاتيح، يجوز التساؤل إن لم نكن أمام بدايات تغييرات فيزيولوجية، قد تقود بفضل قانون الانتقاء الطبيعي من جيل إلى جيل، إلى نوعٍ بشريٍّ جديد: هومو إليكترونوس!
فعندما ترى بعض أطفال اليوم وهم يبعثون سرّاً نُصيصاً هاتفياً (إس إم إس) من هاتفٍ محشورٍ في الجيب، دون مشاهدة لوحة مفاتيحه، فيما يتحدثّون معك في الوقت نفسه، ستستوعب أن ثمّة أشياء في بنية أدمغتهم تتغيّر، نحو الأفضل أحياناً، ونحو الأسوأ أحياناً أخرى.
فمن ناحية، قادت هذه التغيّرات إلى مَلكة “ذكاء الأصابع” حسب تعبير فريق أبحاث إيف كوبانس، المكتشف الشهير لِجسد جدّتنا لوسي في أثيوبيا، وإلى ما أشاد به من مواهب جديدة اكتسبها أطفال الإنترنت في العلاقة بين العين واليد، وفي التفاعل مع الفضاء المحيط.
ومن ناحية أخرى، فقدوا شيئاً من المقدرة على التركيز والتذكّر بسبب إدمانهم الكمبيوتر والإنترنت، أعطت لهذه العبارة: “أحنّ إلى دماغي الذي سبق الإنترنت!” قيمتَها ومحلَّها من الإعراب في عالم اليوم.
لهذا الجيل الجديد: القارئُ الإلكتروني كتاب اليوم بامتياز.
إذا ما هاجمْتَهم بمدح الكتاب الورقي والتغنّي برائحة الأوراق، فسيقولون لك إن رائحة الكافور تثير تقزّزهم، وإنك تمارس أشواق الموميات، لأن الإنسان القديم كان يحنّ أيضاً لرائحة أوراق البردى والألواح الحجرية قبل صناعة الكتاب الورقي أيضاً، لكنها سنّة الحياة.
القارئ الإلكتروني، مثل كندل الذي تبيعه شركة أمازون (أقلّ من ربع سعر الآيفون)، غيّر حياة من له تجربةٌ معه، مثلي، لصالح القراءة الإلكترونية.
لأقولها من البدء: لا يعني ازدهارُ هذه الطريقة الجديدة في القراءة موتَ الكتاب الورقي، كما كان يخاف الجميع. لكنها تجربةٌ جديدة، مثلها مثل الآيفون الذي لم يقض على الهاتف الثابت، ولم يقض على الاتصالات. بل العكس: لعب دوراً في مضاعفة تواصل الناس ببعضهم البعض، وفي تجديد حياة الهاتف الثابت.
كذلك، رغم اكتساحِ القراءة الإلكترونية للقراءة الورقية (حوالي 30٪ من مبيعات الكتب في أمريكا إلكترونية)، وأخذِ الأولى عموماً نصيب الأسد من حياة الإنسان، لم يختف الكتاب الورقي، بل ازداد استخدامه في مجالات معيّنة مع ازدياد القراءة الإلكترونية في هذه المجالات نفسها!
لكنه اختفى تقريباً في مجالات أخرى كالموسوعات، القواميس، معظم الكتب العلميّة، وثائق المؤتمرات العلمية.
كلّ ذلك ضمن إتجاهٍ عامٍ لحضارة اليوم هدفُهُ إلغاءُ الورق في المعاملات، عبر الرقمنة وإجراءتٍ عولميّةٍ لتوحيد صيغ وبروتوكولات تبادلها الرقمي، اسمه: Dematerialisation، أو: “الاسترقام”، حسب مقترح ترجمةٍ أنيقةٍ للمصطلح على وزن “الاستسقاء”، اقترحهُ الأستاذ فاروق مردم بيه.
مثل غيري، كنتُ من المتعصّبين للقراءة الورقية، ولي مثلهم معها طقوس وشجون وعلاقة غرامية حميمة يصعب خيانتها. لكن “الحياة تجري بما لا اشتهي”، وها أنذا أعيش بعلاقتين متناغمتين متكاملتين: القراءة الورقية والقراءة الإلكترونية على الكندل.
للثانية خصائص مُغرية يستحيل عدم الوقوع في أحضان سحرِها. فشاشة القارئ الإلكتروني تستخدم تقنية “المداد الإلكتروني” المدهشة. ذلك يعني: تشبه ورقة الكتاب من حيث كونها لا تبعث الضوء كشاشة الكمبيوتر والآيفون والآيباد، ولكنها تعكسه، مثل ورق الكتاب.
ويمكن لذلك أن يصاحبنا القارئ الإلكتروني إلى الساحل تحت الشمس حيث يصعب قراءة كمبيوتر. ناهيك عن كونه خفيف الوزن مثل كتاب الجيب لا غير…
ثمّ بطاريته، بسبب شاشته التي تكتفي بعكس الضوء وليس بصنعه وبعثه، اقتصاديةٌ جدّاً، يمكنها أن تظلّ مشحونةً لأسابيع قبل إعادة تعبئتها.
شاشة القارئ الإلكتروني الوردية، بتقنية مدادها الإلكتروني، مريحةٌ جدّاً للعين، جذّابةٌ جدّاً، قابلةٌ لتغيير مستوى إضاءتها العاكسة، ناهيك عن أن حجم بنط الحرف فيها يمكنه أن يكبر أو يصغر ليتكيّف مع كل عين، وهذا ما يستحيل عمله مع الكتاب الورقي بالطبع!
ومن الخصائص شديدة الإغراء فيه هو أنك لا تحتاج معه إلى قاموس أو موسوعة للبحث عن معنى مفردة، أو تعريف مصطلح. يكفي أن تمس الكلمة بطرف أصبعك لتنفتح لك نوافذ جانبية تقدِّم لك معناها في القاموس، وما تقول عنها الموسوعة.
غير أن ذروة السحر هو أنك ترتبط بفضل القارئ الإلكتروني بملايين الكتب، ويمكنك أن تشحن فيه ما تريد من حيث كنت، ومجاناً إن كان الكتاب قد تجاوز بسبب أقدميته الزمنيّة (عدّة عقود) حقوق المؤلف.
في هذا الجهاز الصغير الذي يقل وزنه عن ربع كيلوجرام، يمكنك شحن معظم كتب الدنيا والتسكّع معها في البيت والحمام والحدائق العامة والطائرات والمطاعم وسرير النوم!
غيّر الكتاب الإلكتروني حياتي لأكثر من سبب. أهمّها: حال وصولي إلى فرنسا للدراسة الجامعية في المجال العلمي، ثم للعمل كمهندسٍ أولاً قبل أن أمسي بروفيسوراً جامعيّاً منذ 1992، وجدتُ أن عليّ أن أكون انتقائياً في قراءاتي الأدبية؛ لاسيّما أن بعض وقتي اليومي مكرّسٌ للكتابة الأدبية، ومساحة اليوم 24 ساعة فقط.
اكتفيتُ لذلك بالمتابعة الجادة للأدب المعاصر. وصارت لي قائمة واسعة من كُتّاب عصري الذين أقرأهم بانتظام، وأشتري كتب بعضهم يوم صدورها.
هكذا تأجّل من عامٍ لعام موعد قراءة الكتب الكلاسيكية التي لم أقرأ ترجماتها بالعربية في صباي العدَني.
ومع مرور الوقت، بدأتُ أظنُّ أنه تلزمني حياة جديدة لقراءة ما لم أقرأه لِمارسيل بروست، شاتوبريان، جيمس جويس، ستاندال، وعدد من الكتاب الروس والإنجليز الذين لم أقرأ من أعمالهم إلا قليلا… تحوّلَ التأخر في قراءتهم إلى عقدةٍ تخنق عصبونات دماغي، ناهيك عن هوَسِ قراءة ما لم أقرأه من أمهات الكتب بالعربية.
بعد ارتباطي بالقارئ الإلكتروني تساءلتُ: بماذا أبدأ؟… اخترتُ كتاباً كلاسيكيّا مجانياً صغيراً قرأته خلال عدة ساعات قبيل النوم. تكرّرت التجربة اليوم الثاني مع “البحث عن الزمن الضائع” لمارسيل بروست الذي أخذ عدّة أيّام ولذةً فاقت لذّة قراءته ورقيّاً، لاسيّما وأن البحث عن معنى هذه المفردة الغامضة أو عن بعض التفاصيل الموسوعية لأخرى، تظهر في نافذةٍ مؤقتة فوق المفردة، حال لمسها… تواصلت التجربة أكثر فأكثر، وانفتحت لي أبواب وعوالم جديدة.
ثمّ عاد لي هوَس القراءة بالعربية على الكِندل! سأكرِّسُ المقالَ القادم للحديث عن علاقتها به، والأسباب العميقة لعدم اندماجها في عالمه.

الأربعاء، 3 فبراير 2016

حوكمة الإنترنت

حوكمة الإنترنت
عمر الحياني (اليمن)
هل الإنترنت على وشك الانهيار والتشظي؟ قبل شهور لم تكن أميركا، التي على أرضها اخترعت شبكة الإنترنت، توافق على فكرة الجلوس على طاولة المفاوضات مع الأطراف ذات المصلحة، للاتفاق على مستقبل إدارة الإنترنت.
ظلت الدعوات المتتالية تتلاحق، وتدعو إلى تغيير واقع إدارة الشبكة، لتمثل فيها جميع الأطراف في ظل توجهات إقليمية، تسعى إلى بناء شبكاتها الخاصة، فالصين تسعى جاهدة إلى تصميم وبناء شبكتها الخاصة، وأوروبا، هي الأخرى، تهدد باللجوء إلى تأسيس شبكتها الأوروبية، وكل من روسيا والهند والبرازيل تطمح إلى دور محوري في إدارة الإنترنت.
شبكة الانترنت في منعطف خطير أمام التجاذبات المختلفة بين الأطراف، يضع الجميع أمام قول سلسيان الأرستقراطي في رواية ليوبارد، عشية توحيد إيطاليا "إذا كنا نريد أن تبقى الأمور كما هي، فالأمور يجب أن تتغير".
إذاً، لابد من حتمية التغيير في إدارة شبكة الإنترنت، يمثل فيها جميع الأطراف، بعيداً عن تحكم طرف واحد. ففي وقت كانت فيه الولايات المتحدة منغمسة في التجسس على الشبكة كانت الأطراف الأخرى تعقد المؤتمرات والقمم والمنتديات، للخروج برؤية موحدة لإدارة الإنترنت.
مثلت العاصفة التي أحدثها سنودن حول تجسس وكالة الأمن القومي الأميركية على شبكة الانترنت، نقطة تحوّل في تصاعد وتيرة الانتقادات الموجهة للولايات المتحدة الأميركية، من دول وأطراف عديدة ذات المصلحة، ومنها الأمم المتحدة التي طالبت بسرعة الاتفاق على إدارة دولية للإنترنت، وتعزيز النفاذ إلى شبكة الإنترنت، وأمن واستقرار وتنمية الشبكة.
وللتخفيف من حدة هذه الانتقادات، أعلنت واشنطن في مارس/آذار 2014، تخليها عن دور الإشراف على الإنترنت، بداية من العام المقبل.
وأبدت الحكومة الأميركية استعدادها للتخلي عن دورها في الإشراف على توزيع أسماء نطاقات الإنترنت، عبر منظمة الآيكان، واقترحت إسناد هذه المهمة إلى هيئة دولية. وأوضحت وزارة التجارة الأميركية في بيان لها "إنها ستدعو جميع الأطراف المعنية حول العالم إلى التفكير في طرق تتيح للحكومة الأميركية التخلص من دورها المركزي في إدارة شبكة الإنترنت عبر هيئة الآيكان".
وبمجرد إعلان الولايات المتحدة تخليها عن هذا الدور، بدأ الصراع بشأن الجهة التي ستتحكم في إدارة الإنترنت مستقبلاً، فبعض الدول، كالصين وروسيا وتركيا، ودول أخرى، تسعى إلى الفوز بتنظيم إدارة الإنترنت على المستوى المحلي أو الإقليمي، على الرغم من سجلها السيء في الرقابة على شبكة الإنترنت ووسائل الإعلام، وهو ما ينذر بخطر كبير على شبكة الإنترنت ودورها المحوري، في تعزيز قيم الحرية والرأي والتفاعل العالمي.
إن دولاً كثيرة لا تبحث عن إنترنت حرّ ومفتوح، بل تسعى إلى مزيد من الرقابة والتحكم في شبكة الإنترنت عبر ممارساتٍ، لا تنسجم مع أبسط المعايير الإنسانية لحقوق الإنسان، في حرية الرأي والتعبير. وهو ما دفع المشرّعين الأميركيين إلى التقدم بمشروع قانون، لإعاقة مسيرة انسحاب الولايات المتحدة عن دورها المركزي، في الإشراف على شبكة الإنترنت.
ولم يكن الصراع القائم بين دول العالم بشأن إدارة الإنترنت ودور أميركا المركزي في الإشراف على الشبكة وليد لحظة فضيحة التجسس الأميركي على شبكة الإنترنت. إذ إن دولاً ومؤسسات عديدة، وحتى الأمم المتحدة ظلت تطالب الولايات المتحدة الأميركية، لأكثر من 16 عاماً، بالتخلي عن سيطرتها الكاملة على إدارة الإنترنت، من خلال هيئة (الآيكان) (ICANN) التي تعتبر الجهة الضابطة للإنترنت، والمتخصصة في توزيع أسماء المجال ونطاقات الإنترنت.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تعد منشأ الإنترنت، لكن هذا لا يمنحها حق السيطرة الفردية على إدارة تلك الشبكة، إذ إنها أصبحت شبكة عالمية. وتتحكم الولايات المتحدة في الإنترنت عبر ما يعرف بالخوادم الجذرية (Root Servers)، والتي يمر عبرها كل مستخدم للإنترنت، ليصل إلى أي موقع في أي مكان في العالم. وينتشر حول العالم 13 خادماً جذرياً (10 خوادم منها في الولايات المتحدة تدير معظمها وكالات حكومية ومؤسسات علمية و3 في مناطق أخرى في العالم).
وتعد الخوادم الجذرية محور الاعتراض العالمي على هيمنة الولايات المتحدة، ممثلة بوزارة التجارة، عبر سلطة تعيين أرقام الإنترنت (IANA) التابعة لهيئة الآيكان، على الشبكة العالمية للإنترنت. ما يعني تمكن الحكومة الأميركية من إجراء تغييرات أحادية الجانب على أسماء النطاقات، بالإضافة إلى مقدرتها التكنولوجية العالية في التجسس على كل ما يدور في شبكة الإنترنت، وهو ما سبب قلق العديد من الحكومات الأخرى باعتبار الإنترنت عصب الحياة في القرن الواحد والعشرين، وخاصة أنه أصبح ذا طبيعة خاصة تتعلق بالأمن والسيادة الوطنية.

وقد مرت شبكة الإنترنت بتغيرات جذرية منذ انطلاقتها من شبكة خاصة بوزارة الدفاع الأميركية، إلى كيان عالمي هائل من المعلومات والبيانات. وبرزت، خلال هذه المراحل، تعقيدات وتطورات هائلة في المفاهيم التكنولوجية، لعل أبرزها مفهوم حوكمة الإنترنت، أو إدارة الإنترنت، وهما يحملان المعنى نفسه، كأحد أهم ملامح العالم الرقمي الرئيسية.
ويرى الناشطون المعنيون بحقوق الإنسان، أن حوكمة الإنترنت، من منظورهم، هي حرية التعبير وضمان الخصوصية، على الرغم من أن الأخير أصبح مفهوماً لا وجود فعلياً له، في الواقع.
ويعتقد الجانب الحكومي أن مفهوم حوكمة الإنترنت ما هو إلا سيطرة الحكومة على كل ما يتعلق بالقضايا الخاصة بحوكمة الإنترنت، على المستوى الحكومي، مع مشاركة محدودة من الأطراف الأخرى. ومع تلك الجدليات التي رافقت المراحل الأولى بشأن التفاوض حول إدارة الإنترنت، جمعت اللجنة المكلفة بإدارة الإنترنت (WGIG) مختلف الأطراف ذات الصلة التي أثمرت في صياغة تعريف عملي لمفهوم حوكمة الإنترنت: "يقصد بإدارة الإنترنت قيام الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني، كل حسب دوره، بوضع وتطبيق مبادئ ومعايير وقواعد وإجراءات لصنع القرار، وبرامج مشتركة تشكل مسار تطور الإنترنت واستخدامه".
وحسب جوفان كورباليجا وإدوارد جلبشتاين، يمثل هذا التعريف "نقطة انطلاق للجدل الدائر حول أيهما أكثر وضوحاً من اللفظتين، المشار إليهما في حوكمة الإنترنت، أو إدارة الإنترنت". ويواجه مفهوم حوكمة وإدارة الإنترنت العديد من القضايا الشائكة، فأطراف المصلحة في حوكمة الإنترنت، من القطاع الخاص والعام، تلعب دوراً هاماً في تحديد كل من هذه الأبعاد.
بالإضافة إلى أن لكل طرف من أطراف المصلحة في حوكمة الإنترنت ثقافات مهنية متطورة وفريدة للغاية وقواسم مشتركة ومصالح مختلفة، لكنهم يعملون بمعزل عن الآخر بالإضافة إلى تعدد لغات العمل التي تعكس الطبيعة العالمية للمشكلات المتعلقة بالإنترنت.
فوفق بعض الإحصائيات، بلغ عدد مستخدمي الإنترنت ما يقارب 2 مليار ونصف مستخدم يتكلمون العديد من اللغات المختلفة، ﺍﻟﻌﺪﻳﺪ منهم لا يستطيعون ﺍﻟﻘﺮﺍﺀﺓ ﺃﻭ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ بالإنجليزية، وﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻮﻥ ﻟﻐﺎﺕ لا ﺗﻜﺘﺐ بالأحرف الإنجليزية.
 فيما لا يزال 5 مليارات من الناس غير قادرين على الحصول عليه، ولا ﺳﺒﻴﻞ لهم ﻟﻠﻮﺻﻮﻝ إلى ﻫﺬﻩ الأداة ﺍلمهمة ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﺍﻟﻨﻤﻮ ﺍلاﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﻭﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ الاجتماعية.
في ﺩﻭﺭﺓ جمعية الإنترنت ﺑﺸﺄﻥ حوكمة الانترنت في ﺍﺟﺘﻤﺎﻉ (INET) ﺃﺑﻮﺟﺎ، بنيجريا ﻣﺎﻳﻮ/أيار 2007، ﺟﺮﻯ ﺍﻟﺘﺴﻠﻴﻢ ﻋﻤﻮﻣﺎً ﺑﻀﺮﻭﺭﺓ ﻗﺪﺭﺓ ﺍﻟﻨﺎﺱ في جميع أنحاء العالم على اﺳﺘﺨﺪﺍﻡ الإنترنت بلغاتهم، وأن ﺗﻌﺪﺩﻳﺔ ﺍﻟﻠﻐﺎﺕ في ﺍﻹﻧﺘﺮﻧﺖ ﺳتعمل ﻋﻠﻰ ﺟﻌﻞ مجتمع المعلومات مجتمعاً ﺷﺎﻣﻼً ديمقراطياً ﺷﺮﻋﻴﺎً محترماً وتمكينياً على الصعيد المحلي.
إن حوكمة الإنترنت لا تحتمل وجهة نظر واحدة ذات اتجاه واحد في التفكير، والتي لا تتسم بالمرونة الكافية، بل تستدعي إيجاد أدوات معرفية جديدة تمكنها من فك خيوط هذا التعقيد وطرح رؤى ومبادئ إرشادية مشتركة.
"ويظل دمج الجوانب الفنية في حوكمة الإنترنت في الجوانب السياسية من المسائل الأكثر تعقيداً، فالحلول الفنية ليست حيادية بالمرة، وكل دعم فني تقابله مصالح فئة معينة، كما يقول (جوفان كورباليجا وادوارد جلبشتاين) مؤلفا كتاب حوكمة الإنترنت".
ونتيجة لتلاشي الوحدة بين التكنولوجيا والسياسة، ظهرت الحركات والدول التي تطالب بإصلاح منظومة الإنترنت، وهو ما أدى إلى إنشاء هيئة الـ((ICANN الآيكان في عام 1998، كمحاولة لإعادة التوازن المفقود بين هذين الجانبين.
ويثير مفهوم حوكمة الإنترنت جدلاً واسعاً حول ضرورة تطوير العديد من النواحي المتعلقة بالأمور التقنية والفنية، من ضمنها تبادل الاتصالات وتوزيع أرقام بروتوكولات الإنترنت وحماية الملكية الفكرية وتشجيع التجارة الالكترونية.
وكانت القمة العالمية للإنترنت، والتي انعقدت في ساوباولو 25 أبريل/نيسان 2014، في البرازيل قد أدانت التجسس الدولي عبر الشبكة العنكبوتية. واعتبرت مراقبة البيانات الشخصية عملا يعاقب عليه القانون، وجاء في البيان الختامي للقمة إن "المراقبة الجماعية والاعتباطية تقوض الثقة بالإنترنت، وإن جمع واستغلال بيانات شخصية من جهات حكومية، أو غير حكومية، يجب أن يخضع للقوانين الدولية وحقوق الإنسان".
وتظل حماية الخصوصية وحرية التعبير وحق امتلاك واستخدام شبكة الإنترنت من الحقوق التي تسعى منظمات المجتمع المدني لأجل إقرارها في المفاوضات النهائية حول إدارة الإنترنت. وهذه الاحتياجات الملحة تتطلب مشاركة مستخدمي الإنترنت من المنطقة العربية في النقاش الدولي القائم حول كيفية صياغة سياسات الإنترنت مستقبلاً.